نادية كيوان: الأشخاص الذين يمنحون الطمأنينة دون مقابل

في مسار الحياة، نلتقي بأنواع كثيرة من البشر. بعضهم يمرّ عابرًا، وبعضهم يترك أثرًا مؤلمًا، وبعضهم يعلّمنا الحذر. لكن القلّة النادرة هم أولئك الذين يدهشوننا بطيبة قلوبهم، لا لأنها مُعلَنة أو مُتكلَّفة، بل لأنها حاضرة في سلوكهم، في طريقة الإصغاء، وفي بساطة تعاملهم معنا.
هؤلاء الأشخاص لا يحتاجون إلى جهد ليكونوا مريحين. وجودهم وحده يخلق حالة من السكون الداخلي، كأن النفس تستعيد توازنها تلقائيًا. معهم لا نشعر بالضغط لنكون في أفضل حالاتنا، ولا نخشى أن نُظهر تعبنا أو تردّدنا أو هشاشتنا الإنسانية. هذه الطمأنينة ليست وليدة كلمات مطمئنة فحسب، بل نتيجة شعور عميق بالأمان العاطفي.
اللافت في العلاقة مع هذا النوع من البشر هو أنها لا تقوم على سببٍ واضح. لا مصلحة مشتركة، ولا تاريخ طويل، ولا التزامات ثقيلة. ومع ذلك، يتكوّن شعور صادق بالمحبّة، شعور بسيط وعميق في آنٍ واحد، يجعلنا ننجذب إليهم دون تحليل أو تفسير. وهذا بحد ذاته مؤشر على نقاء العلاقة، فالعلاقات التي تحتاج دائمًا إلى تبرير غالبًا ما تكون مُرهِقة.
في عالم اعتاد الناس فيه على الحذر، والمقارنة، واستنزاف العلاقات، يصبح وجود أشخاص لا يُثقلون أرواحنا نعمة حقيقية. فهم لا يقتحمون حياتنا، ولا يفرضون آراءهم، ولا يتعاملون معنا من موقع التفوق أو التقييم. بل يمنحوننا المساحة لنكون كما نحن، وهذا أحد أعمق أشكال الاحترام الإنساني.
الأثر النفسي لهؤلاء الأشخاص يتجاوز اللحظة. وجودهم يخفف القلق، ويقلل التوتر، ويعيد للإنسان ثقته بأن الخير ما زال ممكنًا في العلاقات البشرية. وهم، من حيث لا يشعرون، يساهمون في ترميم أجزاء داخلية أرهقتها التجارب السابقة وخيبات القرب.
لهذا السبب، يرتبط حضورهم بالدعاء. ليس خوفًا من فقدانهم فقط، بل إدراكًا لقيمتهم. فالأشخاص الذين يمنحون الطمأنينة دون مقابل، والذين نحبهم بلا سبب، هم رصيد عاطفي نادر، وحضورهم في حياتنا ليس تفصيلًا عابرًا، بل عنصر توازن وشفاء.
في النهاية، ليست كل العلاقات تُقاس بكثافة اللقاء أو بطول الزمن، بل بما تتركه في الداخل. وهؤلاء تحديدًا يتركون أثرًا يشبه السلام… سلام نحتاجه أكثر مما نعترف.
من المهم التنويه أن موقعنا يلتزم بالبند 27 أ من قانون الملكية الفكرية (סעיף 27א לחוק זכויות היוצרים). ويبذل قصارى جهده لتحديد أصحاب الحقوق في المواد المختلفة المنشورة لديه. وفي حال كانت لديكم اية ملاحظات تتعلق بحقوق الملكية، فيرجى الاتصال بنا للتوقف عن استخدامها عبر الخاص في هذه الصفحة او على ايميل: almasar@gmail.com



