د. محمود ابو فنة: تبصّرات حول الأديب ميخائيل نعيمة وكتاب سيرته الذّاتيّة: “سبعون – حكاية عمر”

نبذة عن حياته:
ولد ميخائيل نعيمة في بسكنتا في جبل صنين في لبنان عام 1889م وكانت دراسته المدرسيّة في مدرسة الجمعيّة الفلسطينيّة في النّاصرة في الأعوام 1902م – 1906م، ثمّ تبعها بخمس سنوات دراسيّة في بولتافيا الأوكرانيّة بين عامي 1906م حتّى 1911م حيث تسنّى له الاطّلاع على مؤلّفات الأدب الرّوسيّ، ثم أكمل دراسة الحقوق في الولايات المتّحدة الأمريكيّة (منذ كانون الأوّل عام 1911م) وحصل على الجنسيّة الأمريكيّة.
انضمّ إلى الرّابطة القلميّة الّتي أسّسها أدباء عرب في المهجر وكان نائبًا لجبران خليل جبران فيها. عاد إلى بسكنتا عام 1932م واتّسع نشاطه الأدبيّ. لقّب ب “ناسك الشّخروب”، وتُوفّي عام 1988م عن عمر 99 سنة.
ميخائيل نعيمة قمّة شامخة في الأدب العربيّ والعالميّ!
أبدع ميخائيل نعيمة في كتابة الشّعر وله ديوان: “همس الجفون” وفيه القصائد المشهورة: “أخي، النّهر المتجمّد وغيرهما”. وقد حظيت قصيدة: “أخي” بتحليل رائع للنّاقد د. محمّد مندور، وله مجموعات قصصيّة، وروايات ومسرحيّات.
وله كتب في النّقد الأدبيّ، وله كتابه المشهور: “سبعون” في ثلاثة أجزاء عن سيرته الذاتيّة. ومؤلّفات ميخائيل نعيمة تكشف عن موهبة أصيلة، وثقافة واسعة ورؤيا إنسانيّة.
كتاب: “سبعون – حكاية عمر”
قرأتُ كتابَه: “سبعون” – في ثلاثة أجزاء – الّذي يغطّي سبعين عامًا في حياة ميخائيل نعيمة من مولده عام 1889م وحتّى عام 1959م وقد استمتعتُ بقراءة هذا الكتاب الّذي أعتبره من كتب السّير الذّاتيّة الشّاملة والعميقة في الأدب العربيّ المعاصر، وقد كُتِب بأسلوب أدبيّ مميّز، ونستشفّ من هذه السيرة:
عشق نعيمة للقراءة والكتابة حيث يقول: “الكِتاب والقلم باتا من زمان ضرورتين في حياتي لا أستطيع العيشَ بدونهما، إذ أنّني منهما وبهما كنتُ أُطِلُّ على عالمٍ أرحب بكثير من ذلك العالم الّذي كنتُ أدور فيه بجسدي. ولولاهما لاختنقتُ”. (كتاب سبعون. المرحلة الأولى، ص 268).
ويكرّر هذا الموقف في كتابه “سبعون” في المرحلة الثّانية عندما انتقل إلى الولايات المتّحدة الأمريكيّة حيث يكتب: “أمّا سلواي الكبرى فكنتُ أجدُها في معاشرة الكتب ومعاشرة قلمي، فقد أقبلتُ على مطالعة الشّوامخ في الأدب الإنجليزيّ بمثل الشّراهةِ الّتي أقبلتُ على مطالعة الأدب الرّوسيّ”. (سبعون، الحلقة الثّانيّة، ص 25).
ومن هذه السّيرة نتعرّف على فلسفة ميخائيل نعيمة في الحياة، فقد آمن نعيمة بنظريّة “وحدة الوجود” وآمن كذلك بفكرة التّقمّص وتكرار حياة الإنسان.
لم يتزوّج نعيمة وأعتبر الأدب بديلًا عن الزّوجة، ومؤلّفاته، بحسب رأيه، كانت بمثابة الأبناء البررة، وعن ذلك كتب: “تبيّن لي من علاقاتي مع النّساء أنّني لم أولد لأكون بعلًا لامرأة وأبًا لعددٍ من البناتِ والبنين. فعملي في حياتي هو أكثرُ من تجديد النّسل الّذي يقوم به الملايين من النّاس في كلّ يوم؛ إنّه تجديد الإنسان بشقّيه – الرّجل والمرأة. وهذا العمل لا يطيق لصاحبه أنْ يتزوّج ضرّة عليه”. (سبعون، المرحلة الثّانية، ص 322).
وفي كتاب: “سبعون” يقوم نعيمة بعرض أفكاره ومبادئه والقيم الّتي يعتنقُها بكلّ ما يتعلّق بالنّاس وحياتهم وموتهم. ويحلو لي ذكرُ بعضٍ من ذلك:
– “الفرحُ ليس وقفًا على الأغنياء، والكدرُ ليس مُنحصرًا في الفقراء. إنّهما في الفكر والقلب أوّلًا”. (سبعون، المرحلة الثّانية، ص 10).
– “إنّي لأوثر القلّة مع صفاء الذّهن والقلب على الوفرة مع اضطراب العقل والقلب معًا”. (ن. م، ص 14).
وعن دور الأديب ورسالته كتب نعيمة: “سلاحُنا هو الإيمان بقدسيّة الكلمة، وتنزيهها عن التّبذّل والتّدجيل والتّمرّغ على أقدام الأصنام، وتكريسها لخدمة الحقّ والعدل والذّوق الرّفيع”. (ن. م، ص 31)
ويوضّح تلك الرّسالة بالقول: “يسعدُني أنْ أرى البذور الّتي أبذرها على صفحات الكتب ومن على المنابر تنبتُ في قلوب الكثير من النّاس وتأتي بثمارٍ طيّبة…”. (سبعون، الحلقة الثّالثة، ص 29).
ونعيمة أحبّ اللّغة العربيّة وعنها كتب: “هي لغة آبائي وأجدادي، وهي منْ أشرف اللّغات وأغناها، وحبّها في دمي”. (ن. م، ص 204)
وأختتم هذه الرحلة مع كتاب: “سبعون” بهذا الاقتباس الرّائع: “الإنسانُ إنسانٌ قبل أنْ يصطبغَ بالأسْود أو بالأبيض، وقبل أنْ يكون عربيًّا أو أعجميًّا، وقبل أنْ يولد بوذا وعيسى وموسى ومحمّد. وجمال الإنسانيّة كجمال الأرض، في أنّها متعدّدة الألوان، كثيرة المسالك، فحتّى متى نصرُّ على الحدود والسّدود؟”. (ن. م، ص 149).
ما أوردتُه عن مؤلّفاته وسيرته وأفكاره هو غيض من فيض، ولا يُغني عن متعة قراءة إنتاجه وخاصّةً كتاب سيرته الرّائعة!
من المهم التنويه أن موقعنا يلتزم بالبند 27 أ من قانون الملكية الفكرية (סעיף 27א לחוק זכויות היוצרים). ويبذل قصارى جهده لتحديد أصحاب الحقوق في المواد المختلفة المنشورة لديه. وفي حال كانت لديكم اية ملاحظات تتعلق بحقوق الملكية، فيرجى الاتصال بنا للتوقف عن استخدامها عبر الخاص في هذه الصفحة او على ايميل: almasar@gmail.com