رناد علي جبارين: افتراض المسافة!

لا أعجب من شيء كما أعجب من أولئك الذين يُصرّون على أن العربي لا يعمل عقله، ثم يخاطبونه بكل أدوات العقل..

في هذا التناقض ما يكشف عن خلل أعمق؛

ليس العربي من كفّ عن استعمال عقله، بل الخطاب هو الذي عجز عن إيجاد منفذ إلى وعيه..

أول خطيئة ارتكبها الخطاب النخبوي، أنه افترض المسافة.. وما إن افترض المسافة، حتى بدأ بالصراخ من الضفة الأخرى، يطلب من الناس أن يعبروا إليه، دون أن يمدّ يدًا أو يصنع جسرًا..

“العربي لا يعمل عقله”!

ثم يمضي يكتب المقال تلو المقال، يحشوه بالمصطلحات، يثقله بالمراجع، ويخاطب به ذلك “العقل المعطّل!”

ويسأل: لماذا لا تصل كلماتي؟ لماذا تصطدم بالعقل ولا تنفذ إليه؟

الناس لا ترفض المنطق، بل ترفض الغربة..

تخاف من اللغة التي لا تُشبهها، من النبرة التي تُشعرها بالنقص.

ربما لهذا السبب، لا تسكن الفكرة في وعيهم إلا إذا جاءت وكأنها منهم لا عليهم..