, -

د. حسين وليد محاجنة: الدّين منهج حياة

لقد جاء كلّ دين من عند الله ليكون منهج حياة، منهج حياة واقعية. جاء الدّين ليتولّى قيادة الحياة البشريّة ، وتنظيمها، وتوجيهها، وصيانتها. ولم يجيء دين من عند الله ليكون مجرد عقيدة في الضّمير؛ ولا ليكون كذلك مجرد شعائر تعبديّة تؤدّى في الهيكل والمحراب. فهذه وتلك – على ضرورتهما للحياة البشريّة وأهمّيّتهما في تربية الضّمير البشريّ – لا يكفيان وحدهما لقيادة الحياة وتنظيمها وتوجيهها وصيانتها؛ ما لم يقم على أساسهما منهج ونظام وشريعة تطبق عمليا في حياة النّاس؛ ويؤخذ النّاس بها بحكم القانون والسّلطان؛ ويؤاخذ النّاس على مخالفتها، ويؤخذون بالعقوبات.

والحياة البشريّة لا تستقيم إلّا إذا تلقّت العقيدة والشّعائر والشّرائع من مصدر واحد؛ يملك السّلطان على الضّمائر والسّرائر، كما يملك السّلطان على الحركة والسّلوك. ويجزي النّاس وفق شرائعة في الحياة الدّنيا، كما يجزيهم وفق حسابة في الحياة الآخرة.

فأمّا حين تتوزّع السّلطة، وتتعدّد مصادر التّلقي . . حين تكون السّلطة لله في الضّمائر والشّعائر بينما السّلطة لغيره في الأنظمة والشّرائع. . وحين تكون السّلطة لله في جزاء الآخرة بينما السّلطة لغيره في عقوبات الدّنيا . . حينئذ تتمزّق النّفس البشريّة بين سلطتين مختلفتين، وبين اتجاهين مختلفين، وبين منهجين مختلفين. . وحينئذ تفسد الحياة البشريّة ذلك الفساد الذي تشير إليه آيات القرآن في مناسبات شتّى:{لو كان فيهما آلهة إلّا الله لفسدتا} . . {ولو اتّبع الحقّ أهواءهم لفسدت السّماوات والأرض ومن فيهن} . . {ثمّ جعلناك على شريعة من الأمر فاتّبعها ولا تتبع أهواء الذين لا يعلمون} . .

من أجل هذا جاء كلّ دين من عند الله ليكون منهج حياة. وسواء جاء هذا الدّين لقرية من القرى، أو لأمّة من الأمم، أو للبشريّة كافّة في جميع أجيالها، فقد جاء ومعه شريعة معينة لحكم واقع الحياة، إلى جانب العقيدة التي تنشى ء التّصور الصّحيح للحياة، إلى جانب الشّعائر التّعبديّة التي تربط القلوب بالله. . وكانت هذه الجوانب الثّلاثة هي قوام دين الله. حيثما جاء دين من عند الله؛ لأنّ الحياة البشريّة لا تصلح ولا تستقيم إلّا حين يكون دين الله هو منهج الحياة.

[سيّد قطب: في ظلال القرآن( م2\895-896)]

من المهم التنويه أن موقعنا يلتزم بالبند 27 أ من قانون الملكية الفكرية (סעיף 27א לחוק זכויות היוצרים). ويبذل قصارى جهده لتحديد أصحاب الحقوق في المواد المختلفة المنشورة لديه. وفي حال كانت لديكم اية ملاحظات تتعلق بحقوق الملكية، فيرجى الاتصال بنا للتوقف عن استخدامها عبر الخاص في هذه الصفحة او على ايميل: almasar@gmail.com

زر الذهاب إلى الأعلى