ناضل حسنين: يقتل بعضُنا بعضَنا حين لا نجد من يقتلنا!

غمرتنا الجريمة كما يغمر العفن جرحا مفتوحا بقي بلا علاج. نطرب لأزيز الرصاص، ونغفو على فحيح الكراهية، فما العجب إن أفقنا على صراخ جارتنا وقد قتل ابنها الشاب للتو!! نتثاءب نتململ ونتأفف ثم نواصل الشخير!

هل نحن مجتمع حيّ؟ لا.. بل نحن مقبرة متنقلة فيها القاتل يتجول بثقة، والمقتول يُدفن بصمت، والشهود يكتفون بعبارات مثل: “حسبي الله ونعم الوكيل”، لا حول ولا قوة إلا بالله” ..لا يا سادة، خير لكم أن تبتلعوا السنتكم وأن تخرسوا بدلا من الإقرار بالضعف المهين.

حين يفوق عدد ضحايا الجريمة خلال أربعة أشهر الثمانين ضحية.. وحين نرى بينهم أطفالا لم تتجاوز أعمارهم 5 سنوات ومسنون تجاوزت أعمارهم الثمانين عاما.. حين تقتل النساء أما اعين اطفالها.. وحين تفجر المركبات بمن فيها وحين يقتل مدير المدرسة وإمام المسجد والتاجر المعروف والعامل الأمين.. فلنقرأ الفاتحة على ارواحنا منذ الآن..

لا يمكن اعتبار كل هذه الدماء جرائم فردية، بل هي مجتمعة قد أصبحت جريمة مجتمع يقتل أبناءه.. مجتمع انزلق إلى الضعف والاستسلام بتقاعسه وصمته ومواربته لأبوابه.. مجتمع يتمترس خلف النجاة الفردية لكل أفراده ولسان حاله يقول: ليكن التسونامي من خلف بابي!

وأما حين تنضم فئة المسؤولين إلى هذا النهج العقيم والأناني، فنحن بلغنا الجحيم بكل تأكيد، ومن لم يشعر بسخونة اللهب اليوم، لا بدّ أنه سيتعثّر بالجمرة غدًا..

لقد روّضونا على الصمت.. وعودونا على الموت التافه.. فتعلمنا صمت الخراف، يسوقوننا إلى المسلخ وحيلتنا الوحيدة الثغاء!

أرأيتم أن لا جدوى من الإضرابات الرتيبة كرتابة الفعاليات في روضة الأطفال؟ لا جدوى يا “متابعة”.. لا جدوى يا نوابنا.. لا جدوى يا مشايخنا.. لا جدوى يا بلدياتنا.. فالسلاح في بيوتنا، لا في بيوتهم.. وعلى الزناد أصابعنا، لا أصابعهم.. العيب فينا أولًا.. الجريمة من صنعنا أولًا.. نحن القَتَلة، ليسوا هم… نحن المجرمون، ليسوا هم.. ونحن الضحايا، ليسوا هم!

نودّع كل يوم الضحية التالية إلى المثوى الأخير.. نغضب ونلطم وندفنها، ثم نُعرب عن حزننا وأسفنا بأغلظ العبارات وأعمقها.. ثم تبرد فينا الحماسة وتذبل ذيولنا وتتدلى حتى تختفي بين الساقين.. لأن حليب طفولتنا كان ملغّمًا بجينات العنف والجريمة.

وقعت الجريمة التالية، وشيّعنا الجثمان إلى المقبرة المزدحمة، ثم غادرناها ولم نسأل عن اسم الضحية.. انتهى الحدث، وأعاد الصحفيون الميكروفونات إلى حقائبها، والأقلام إلى جعابها..

وانفضّ المعزّون كلٌّ إلى نفسه، وتوقّف سيل الأخبار والتهامس، واتشح أهل الراحل بالسواد في انتظار موعد زيارة القبور. انصرف الجميع، وراح أهل المصيبة يكنسون آثار الحدث، ليترسخ في الذهن إلى الأبد.

وفي خيمة العزاء، وعلى مدار ثلاثة أيام، توافد الناس زرافات زرافات.. جلّهم جاء للتنصت، لا للتعزية.. ثم خفتت الأضواء والأصوات.

تلفّت “الزجّال” من حوله فلم يجد كاميرات تصوّره، ولا جموعًا تصغي إليه، فأدرك أنه ليس بطلًا حتى لموقف كئيب كهذا، وإنما “بطل الحكاية” هو ذاك الشاب المبتسم في الصورة على الجدار.

تنهد “الزجّال”، والإحباط يهزمه، فأخرج منديلا مبلّلا من جيبه، كذاك الذي تمسح الأم به مؤخرة رضيعها.. تلفّت مرة أخرى من حوله، وحين لم يرَ سوى نفسه متكرشًا يقف فوق طرف ظله، مسح المساحيق عن وجهه، وغادر إلى الظل بلا تصفيق ولا انحناء.. في انتظار الجريمة القادمة! (الطيبة)

 

من المهم التنويه أن موقعنا يلتزم بالبند 27 أ من قانون الملكية الفكرية (סעיף 27א לחוק זכויות היוצרים). ويبذل قصارى جهده لتحديد أصحاب الحقوق في المواد المختلفة المنشورة لديه. وفي حال كانت لديكم اية ملاحظات تتعلق بحقوق الملكية، فيرجى الاتصال بنا للتوقف عن استخدامها عبر الخاص في هذه الصفحة او على ايميل: almasar@gmail.com

زر الذهاب إلى الأعلى