د. يوسف جبارين: اللجون.. حق تاريخي وحاجة حياتيّة

بلغ عدد سكان قرية اللّجون عشيّة النّكبة حوالي 1300 نسمة، حيث شملت القرية مدرسة ابتدائيّة، ومركز صحّيّ، وخان، وسبع طواحين، كما وبادر أهاليها إلى إنشاء جمعيات تعاونيّة، وشركة باصات اللجون، وخزان مياه. وقد قطعت النّكبة مسيرة التّطور المتواصل للبلدة والّتي بلغت ذروتها خلال سنوات الثلاثينات والاربعينات من القرن الماضي، حيث شكّلت البلدة محطّة استراتيجيّة هامّة في الطريق الواصل بين حيفا وجنين، وبين شماليّ البلاد ومركزها.
تحلّ في هذه الايام الذكرى ال 77 لسقوط قرية اللجون وتهجير اهاليها، قبل ان يتم تدمير بيوتها وابنيتها التاريخية. ورغم تعهدات دولة إسرائيل أمام المملكة الأردنيّة في “اتفاقية رودوس” (الموقّعة في نيسان عام 1949، والتي جرى بموجبها تسليم منطقة أم الفحم ووادي عارة) بعدم المسّ بحقوق الأهالي وبحقوق ملكيتهم للأراضي، الا ان الحكومات الاسرائيلية المتعاقبة تنكّرت لالتزاماتها بهذه الاتفاقية ورفضت عودة اصحاب الأراضي الى قريتهم وبيوتهم في اللجون (والى غيرها من مئات البلدات الفلسطينية المهجرة).
وفي خطوة ضربت بعرض الحائط بنود اتفاقية رودرس، وقّع في نهاية العام 1953 وزير الماليّة الإسرائيليّ آنذاك، ليفي اشكول، على أمر لمصادرة أراضي اللّجون بحسب قانون “اقتناء الاراضي” الاستبدادي من العام 1953، وقد شملت المصادرة أكثر من 34 ألف دونم (!!) من الأراضي الّتي تعود ملكيتها بغالبيتها إلى أهالي أم الفحم، وهي مساحة تفوق مساحة مدينة أم الفحم اليوم.
بلغ عدد سكان قرية اللّجون عشيّة النّكبة حوالي 1300 نسمة، حيث شملت القرية مدرسة ابتدائيّة، ومركز صحّيّ، وخان، وسبع طواحين، كما وبادر أهاليها إلى إنشاء جمعيات تعاونيّة، وشركة باصات اللجون، وخزان مياه. وقد قطعت النّكبة مسيرة التّطور المتواصل للبلدة والّتي بلغت ذروتها خلال سنوات الثلاثينات والاربعينات من القرن الماضي، حيث شكّلت البلدة محطّة استراتيجيّة هامّة في الطريق الواصل بين حيفا وجنين، وبين شماليّ البلاد ومركزها.
وطوال اكثر من سبعة عقود ونصف، تُمعن السّلطات الإسرائيليّة بالتنكّر لحق الأهالي باستعادة أراضيهم والعودة إلى بلدهم اللّجون، كما وصادقت المحكمة العليا الاسرائيلية في عدّة قرارات على هذا الظّلم التّاريخيّ (كما هو الحال في كافّة القرارات الظّالمة بحق أصحاب الأراضي الفلسطينيين). هذا في الوقت الّذي يناضل فيه أهالي أم الفحم وقراها (زلفة وسالم والبياضة ومشيرفة ومصمص ومعاوية) لتوسيع مسطّحات بلداتنا ومناطق نفوذها وهم في أمسّ الحاجة للأراضي من أجل التّطوير العمرانيّ والاقتصاديّ، ومن أجل إنجاز المناطق الصّناعيّة والتّجاريّة والمنشآت الحيويّة العامّة.
لا يمكن الحديث عن علاقة الدّولة مع مواطنيها العرب الفلسطينيين، وخاصّة في قضايا الأرض والمسكن، دون التّأكيد على محوريّة الحقوق التاريخيّة والقوميّة لأهل البلاد الأصليين. هذه الحقوق هي الجروح المفتوحة في جسدنا بوصفنا مجتمعًا أصلانيًا يناضل لاستعادة حقوقه التّاريخيّة في سبيل حماية حاضرنا ومستقبلنا.
ان قضيّة المهجّرين الفلسطينيين من أهلنا – المهجّرون في وطنهم (“الحاضرون الغائبون”) الّذين يشكّلون حوالي ثلث المواطنين الفلسطينيين في البلاد، هي في صميم حقوقنا التاريخية، إذ تشكّل قضيّة عودتهم إلى بلداتهم الأصليّة واستعادة أراضيهم محورًا مركزيا من هذه الحقوق.
ترتبط حقوقنا التاريخيّة ارتباطًا وثيقًا بقضية الأراضي التي صودرت ظلما وإجحافًا من أصحابها الفلسطينيين، بما في ذلك المصادرات الّتي جرت في ظلّ استبداد الحكم العسكريّ في العقدين الأوليين لقيام الدولة، بحيث فقد المواطنون العرب الفلسطينيون ما شكّل لهم العمود الفقريّ لوجودهم، من مصدر رزق، أحيانا، وفرص حيويّة للبناء والتّطوير، في أحيانٍ أخرى. وأصبحت البلدات العربيّة المتبقية داخل اسرائيل أشبه “بالغيتوات” الّتي تعاني من الاختناق، اجتماعيًا واقتصاديًا وثقافيًا، وذلك في إطار المخطّط المنهجيّ الرامي إلى محاصرة الوجود العربيّ في البلاد في ظل تعميق مشاريع التّهويد.
وهكذا، فما يُحرم منه أهلُنا طوال السّنين في منطقة وادي عارة، مثلًا، يتمّ توفيره بسخاء في بلدة “حريش” حديثة العهد، من عقارات للسّكن، ومناطق صناعيّة، وبنى تحتيّة، ومؤسّسات جماهيريّة وميزانيات تطوير ورفاه اجتماعي. وما يُحرم منه أهلنا في الناصرة وعين ماهل والمشهد والرينة وكفر كنا، يتم توفيره بمخطّطات حكوميّة “سخيّة” في نوف هجاليل، وما يُحرم منه أهلنا في سخنين وعرابة ودير حنا وعيلبون، يتم توفيره دون عناء في مسجاف وكرمئيل.
وفي هذه الظروف من التنكّر لحقوقنا التّاريخيّة وتشديد الخناق على ما تبقى من أراضٍ لقرانا ومدننا العربيّة، تصبح العودة إلى بلداتنا المهجرة ليست فقط حقًا تاريخيًا من حقوقنا الجماعيّة، بل ايضا حاجة حياتيّة حيويّة جماعيّة من أجل ضمان الحياة الطّبيعيّة لكلّ أهلنا ومن أجل مستقبل الأجيال.
(الكاتب محاضر حقوقي ونائب سابق)
من المهم التنويه أن موقعنا يلتزم بالبند 27 أ من قانون الملكية الفكرية (סעיף 27א לחוק זכויות היוצרים). ويبذل قصارى جهده لتحديد أصحاب الحقوق في المواد المختلفة المنشورة لديه. وفي حال كانت لديكم اية ملاحظات تتعلق بحقوق الملكية، فيرجى الاتصال بنا للتوقف عن استخدامها عبر الخاص في هذه الصفحة او على ايميل: almasar@gmail.com