وجدي حسن جميل: البحث عن الآثار العربية الإسلامية في اللجون المهجرة (٢)

مصطبة السلاطين
بعد ان عرضنا في المقال السابق عن “صخرة اللجون المدورة”, نتابع اليوم البحث عن “مصطبة السلطان او السلاطين” في اللجون…
لعل من اهم الاثار التي تم العثور عليها في اللجون, هي تلك الاثار وبقايا الاعمدة التي كانت منتشرة في بلدة اللجون, التي زارها الرحالة الفرنسي فيكتور جيرين في العام 1870, ومن ثم البعثة الانجليزية الاستعمارية لفلسطين, برئاسة كوندور وكيتشنر اللذين زارا اللجون في 14-10-1872.
يقول جيرين انه شاهد اثارا وبقايا اعمدة رخامية منتشرة في مواقع عدة من اللجون.
ويضيف انه شاهد في الجانب الغربي للبلدة بقايا مبنى واعمدة مزخرفة بجانب “وادي اللجون”, وتقع في طرفها مغارة مدخلها مقوس(هلالي) ونرجح ان تكون هذه المغارة هي مغارة عين الحجة.
ومع انه لا توجد اثار واضحة في يومنا هذا لهذه المصطبة الا اننا نرجح انها هي المصطبة التي تحدثت عنها المصادر العربية والإسلامية, والتي قالت عنها انها كانت مقرا ينزل عليها الملوك وخاصة في العصرين الايوبي والمملوكي, واقاموا فيها وعليها العديد من المناسبات التاريخية الهامة, ومنها عقد الهدنة بين الظاهر بيبرس والفرنجة…..
اما عن المصطبة فقد كتب العثماني (المتوفي في 1378م) ان باللجون “مقام الخليل عليه السلام من المزارات, وبه مصطبة السلطان….
وكتب القلقشندي في كتابه “صبح الاعشى” (1418م) عن اللجون: “وبها ينزل الملوك على مصطبة هناك معدة لذلك”…. كما ذكرها العيني (المتوفي في 1451م) في كتابه “عقد الجمان”, وقال ان بها “مصطبة السلطان التي امام اللجون”.
وأضاف العيني: “ان نائب دمشق يلبغا الناصري لاقى السلطان برقوق اثناء قدومه لدمشق: “عند مصطبة السلطان التي امام اللجون, فترجل له السلطان ومشى خطوات واركبه من مراكيبه الخاصة بسرج ذهب وكنبوش ذهب”، فيما ذكرت المصادر أن ابن البص بنى الخان (1320ه- انظر لاحقا) “قبال مصطبة السلطان”…ما يشير الى ان المصطبة كانت موجودة قبل إقامة الخان. وكانت هذه المصطبة موضع زيارات السلاطين طول مكوثهم باللجون, عبر التاريخ وخاصة في العهدين الايوبي والمملوكي.
لا بد من الإشارة هنا ان المصادر التي بين ايدينا اشارت الى مصطبة السلاطين باللجون ولم توسع بالشرح عنها او وصفها, وذكرت مصطبة أخرى: “مصطبة السلاطين في القابون بدمشق”. وقد وجدنا معلومات وافرة عن هذه المصطبة, مما يجعلنا نميل ان مصطبة اللجون بوصفها أدت نفس الخدمة (استقبال وتوديع السلاطين ونزولهم) وقد تكون بنفس الهيئة والشكل:
“المصطبة أو مصطبة السلطان: كانت دولة المماليك تُعنى بالأمور الشكلية أو الأمور الظاهرة مما يزيد في هيبتها ويجعل العامة تؤمن بعظمة الدولة وكبريائها، ولذلك اتخذت أساليب العرض والمواكب العسكرية، فأقامت قبيل مدينة دمشق في قرية (القوم) قبة تدعى قبة النصر وقبة يلبغا. وكانت هذه المنطقة أعظم مدخل لدمشق فهي طريق بيت الله الحرام (بوابة الله) وطريق فلسطين والأردن وحوران وطريق عاصمة المملكة, القاهرة. والطريق الآخر هو طريق رحبة مالك بن طوق والجزيرة الفراتية وطريق حمص وحماه وحلب وما إلى ذلك، واتخذت على هذا الطريق مصطبة تدعى مصطبة السلطان .وهي مصطبة عظيمة كانت في سهل القابون بين القابون وبرزة، كان الملوك والنواب والعظماء من القواد ينزلون فيها إذا قدموا من جهة حلب، ثم تخرج جيوش دمشق لملاقاتهم بها ويدخلون دمشق بموكب حافل. وكذلك شأنهم إذا أرادوا السفر إلى حلب وجهاتها. ويقول البدر العيني المتوفى سنة ٨٩٤ه إنها قدر فدان يصعد إليها في نيف وعشرين درجة من جهاتها الأربع، وفيها قصر حسن البناء ينزل به الملوك والسلاطين عند توجههم إلى الأسفار. وبقي شيء من آثارها إلى سنة ١٣٥٠ه”.
ويقول د. محمد احمد دهمان عن مصطبة السلطان في سهل القابون أنه بقى اثرها الى ما قبل نصف قرن ثم هدمت وسويت. وكان السلطان او النائب اذا كان قادما الى دمشق او ذاهبا منها الى جهة حلب تصبحه المواكب الرسمية الى هذه المصطبة.
ووصفها مصدر اخر بانها:
“مصطبة عظيمة كان الملوك والنواب والقواد في العهد المملوكي ينزلون بها اذا قدموا من جهة حلب, ثم تخرج جيوش دمشق لملاقاتهم بها, ويدخلون دمشق بموكب حافل”.
وعنها كتب ابي البقاء ابن البدري (ت 847ه) في كتابه: “نزهة الانام في محاسن الشام” :
“ومن محاسن الشام (القابون) وهي حسنة الماء والهواء وهما قابونان فوقاني وتحتاني وبهما ارض (مصطبة السلطان) وهي مصطبة في قدر فدان يصعد اليها في نيف وعشرين درجة من جهاتها الاربع وفيها قصر حسن البناء ينزل به الملوك والسلاطين عند توجههم الى الاسفار”.
كما صخرة اللجون المدورة التي كان عليها قبة / مقام / مسجد, فلن نعرف مكان مصطبة السلطان باللجون الا بوجود حفريات محايدة وعلمية بحثا عنها.
** بتصرف عن كتاب الباحث ابن مدينة ام الفحم، الاستاذ وجدي حسن جميل جبارين: “اللجون.. درة مرج بني عامر”. (تحت الطبع)
من المهم التنويه أن موقعنا يلتزم بالبند 27 أ من قانون الملكية الفكرية (סעיף 27א לחוק זכויות היוצרים). ويبذل قصارى جهده لتحديد أصحاب الحقوق في المواد المختلفة المنشورة لديه. وفي حال كانت لديكم اية ملاحظات تتعلق بحقوق الملكية، فيرجى الاتصال بنا للتوقف عن استخدامها عبر الخاص في هذه الصفحة او على ايميل: almasar@gmail.com