رناد علي جبارين: بين الرجل والمرأة.. وخواطر اخرى!

أعظم ما يمكن أن يصل إليه الرجل والمرأة ليس الصراع على من الأقوى، ولا التنافس على من هو الأكثر مظلومية، بل الوعي العميق بفروقهم الفطرية، والاعتراف بجراحاتهم التاريخية دون إنكار أو استنقاص.
هذا الوعي هو الذي يحررهم من لعبة الاتهام المتبادل، ويمنحهم القدرة على العيش في تكامل بدلًا من المواجهة المستمرة.
الرجل والمرأة ليسا متطابقين، وهذا ليس ظلمًا، بل ضرورة وجودية. كل منهما صُمم بطريقة تخدم استمرارية الحياة بأفضل صورة ممكنة..
الرجل وُهِب قوة بدنية وصلابة ذهنية تجعله أكثر ميلًا للمواجهة والتحدي، بينما المرأة مُنحت طبيعة تحتضن الحياة وتمنحها الدفء والاتزان العاطفي.. ليست هذه الفروق مدعاة لتفضيل أحدهما على الآخر، بل هي دلائل على أن الكون بني على التوازن، وأن القوة الحقيقية لا تكون إلا حين يُدرك كل طرف دوره دون أن يحاول أن يكون نسخة باهتة من الآخر.
المأساة الكبرى عبر التاريخ لم تكن في وجود هذه الفروق، بل في إنكارها أو استغلالها. حين استُخدمت قوة الرجل ضده، فحُمّل وحده أعباء القتال والمسؤولية دون أن يُسمح له حتى بأن يعترف بتعبه، وحين استُخدمت عاطفة المرأة ضدها، فتم تقييدها تحت مسمى الضعف والواجب والتقاليد. كل طرف دُفع إلى أقصى حدود طاقته، لا لشيء إلا لأن المجتمع لم يكن قادرًا على التعامل مع الفروق الطبيعية بينهم..
لا يمكن لأي نهضة أن تتحقق بين الرجل والمرأة ما لم يتوقف كل منهما عن إنكار جراح الآخر.
جراح المرأة عبر التاريخ لم تكن مجرد لحظات عابرة من الألم، بل كانت موجات متتالية من الظلم والاستغلال والتهميش، بدءًا بالوأد حيث كان الوجود نفسه يُرفضها لمجرد كونها أنثى، إلى وأد الأحلام والطموحات تحت مسميات الشرف والتقاليد، إلى التسليع في كثير من العصور، سواء في أسواق النخاسة أو في الأنظمة الطبقية التي كانت تضعها في مرتبة دونية، إلى الزواج القسري عوملت كملكيّه خاصة تنقل من الأب إلى الزوج، وإلى الحروب التي كانت تعني كارثة للنساء.. يؤخذن كغنائم ويتعرضن للاغتصاب والاستعباد، ويعاملن كأدوات تفريغ لعدوانيّة الجنود..
كانت المرأة دائمًا الطرف الذي يُطالب بالتضحية دون مقابل. حملت على عاتقها آلامًا لم يخترها جسدها، من الولادة التي تستنزفها قطعةً قطعة، إلى الأمومة التي تستهلكها حتى آخر رمق، إلى الأدوار التي فُرضت عليها، حيث يكون صمتها فضيلة وتنازلها واجبًا وصبرها قدرًا لا يُناقش!
الرجل أيضًا لم يكن أقل جرحًا، وإن بدا أنه الطرف الأقوى. كان دائمًا وقود الحروب، الحامل الوحيد لمسؤولية الإعالة، الممنوع من إظهار ضعفه، والمُطالب دائمًا بأن يكون القائد حتى لو لم يكن مستعدًا.. عاش عزلة عاطفية طويلة، حيث لم يُسمح له بأن يشتكي أو يبكي، لأن المجتمع لم يمنحه هذا الحق.
حين يتوقف كل طرف عن التقليل من معاناة الآخر، ويبدأ بفهم أن كلًا منهما جُرح بطرق مختلفة، ستبدأ المصالحة الحقيقية. المرأة ليست العدو، كما أن الرجل ليس الجلاد. كلاهما كان ضحية لأنظمة اجتماعية لم ترَ فيهما سوى أدوات وظيفية لخدمة البقاء، لا كائنات تستحق الحياة والحرية.
الوعي بالفروق الفطرية، والاعتراف بالجراح التاريخية، يقود إلى أكبر إنجاز يمكن أن يحققه الرجل والمرأة معًا: التكامل الواعي. حين يدرك الرجل أن قوته لا تعني القسوة، بل الحماية، وحين تدرك المرأة أن عاطفتها ليست ضعفًا، بل قوة من نوع آخر، يصبحان شريكين حقيقيين، لا متنافسين في معركة صفرية.
ليس المطلوب أن يصبح الرجل نسخة ناعمة من المرأة، ولا أن تصبح المرأة نسخة صلبة من الرجل، بل أن يُدرك كل منهما قيمته في ذاته، دون محاولة إثبات شيء للآخر..
الحرية الحقيقية ليست في إنكار الفروق، بل في استثمارها لصنع عالم أكثر إنسانية، حيث لا يُنظر إلى القوة كأداة للهيمنة، ولا إلى العاطفة كحجة للاستضعاف.
عندما يصل الرجل والمرأة إلى هذا المستوى من الفهم، تتحول العلاقة بينهما من ساحة صراع إلى مساحة تكامل، حيث يُمنح كل منهما حرية أن يكون نفسه.
**
* أبواب الروح
ليست كل الكلمات، مهما بلغت فصاحتها، قادرة على طرق أبواب الروح. بعضها يقف عند العتبة، متقنًا في بنائه، متماسكًا في تركيبه، لكنه فارغ من الدفء..
الكلمات الحقيقية تلك التي تحمل روح قائلها، التي تنساب كأنها خرجت من جرح مفتوح أو من فرح صادق.
هي التي تُقال بلا تصنع، بلا زخرفة, قادرة على إشعال شيء في الداخل، على جعل القلب يتوقف للحظة، يتأمل، يشعر أنه لم يكن وحده في هذا العالم!
**
* انظر حولك..
كل فساد كبير كان يومًا فكرة صغيرة لم يوقفها أحد، كل طاغية كان طفلًا تعلّم أن العقاب لا يطاله، كل مجتمع متصدّع كان يومًا مجموعة أشخاص قرروا أن “المجاملة” أهم من الحقيقة، وأن “التحايل” أذكى من الوضوح..
وهكذا، تحوّلت العلاقات الإنسانية إلى ساحة سباق بين من يخدع أولًا، وتحول التاريخ إلى سلسلة من الانتهازيين الذين تركوا بصماتهم على خرائط العالم..!
من المهم التنويه أن موقعنا يلتزم بالبند 27 أ من قانون الملكية الفكرية (סעיף 27א לחוק זכויות היוצרים). ويبذل قصارى جهده لتحديد أصحاب الحقوق في المواد المختلفة المنشورة لديه. وفي حال كانت لديكم اية ملاحظات تتعلق بحقوق الملكية، فيرجى الاتصال بنا للتوقف عن استخدامها عبر الخاص في هذه الصفحة او على ايميل: almasar@gmail.com