رناد جبارين: قبسات!

في خضمّ ما يشهده العالم من انحدارٍ أخلاقي، ومنسوبٍ غير مسبوق من التوحّش، يخرج بعضهم اليوم ليروّج، “لصحوة فكرية” لفكرة إنكار وجود الله، ونفي الرواية الدينية، والتشكيك في الحساب والجزاء، بل واعتبار ذلك خطوة “تحرّر” من الوهم.
لكن السؤال الذي يفرض نفسه هنا: لماذا الآن؟ ولماذا بهذا الإصرار؟
هل هذا هو التوقيت المناسب لاقتلاع ما تبقى للناس من خيوط تعلّق، أو مرجعيات تواسي نفوسهم المكسورة؟
ألا يبدو تواطؤ غير مباشر – وربما غير واعٍ – مع كل ما هو مظلم ومخيف؟ فحين تقول للناس، في عزّ الألم الإنساني: “لا إله، لا حساب، لا معنى خلف ما يحدث”…
فأنت لا تنفي فقط منظومة ميتافيزيقية، بل تسحب البساط الأخلاقي والمعنوي من تحت أقدام الضعفاء، وتطلق يد من لا رادع لهم في الأرض ولا في السماء.
ما الذي قد يفعله الشرير حين تُقال له هذه الجملة ويُعجب بها؟
وما الذي يمنع الغبي من أن يصدّقها ويعمّمها؟
وما الذي يُبقي الوحش داخل الإنسان إذا أُخبر أن لا أحد يراه، ولا أحد سيحاسبه، وأن لا معنى ولا عدالة في نهاية الحكاية؟
الحديث هنا عن حمقٍ من نوع خاص، ليس في التفكير، بل في الإحساس بالزمن، وبالآخر، وبمآلات الطرح.
حمقٌ روحي، يجعل البعض يظنّون أن “تحرير الإنسان من الإيمان” خطوة نحو الوعي، بينما هي في الحقيقة – في هذا السياق بالذات – خطوة نحو إطلاقه في الفراغ، في العبث، في الانفلات من كل ما يمكن أن يمنعه من أن يصير مجرّد أداة للدمار.
الإيمان، مهما اختلفنا في تعريفه، ليس فقط طقوسًا أو تصديقًا، بل منظومة معنوية كاملة، تبني في داخل الإنسان فكرة أن هناك ما هو أعلى منه، أقوى منه، أرحم منه، وأعدل منه، وأنّ هناك لحظة آتية، سيُوزَن فيها كل شيء.
من المؤلم أن تكون المجازر تُرتكب، والظلم يملأ الأرض، والناس ما بين مقتول ومخذول، ثم يأتي من يقول لهم: لا أحد فوق هذا، لا شيء بعد هذا، هذه هي النهاية.
ما يُقال هنا لا يخدم الحقيقة، بل يخدم الوحش!
**
يودُّ المرءُ أن يصحو يومًا، وفي الحياةِ متّسعٌ له، أن يفتحَ نافذتَه صباحًا، فيتنفّسَ حياةً تُشبهه.
يريدُ أن يمرّر يده على ملامح أيّامه، فلا تبدو غريبة، أن لا تكون الطّرقات مرسومةً سلفًا،
أن تكون خطواتُه امتدادًا لرغباتِه.
أن لا يخشى الغدَ، وكأنّه حُكمٌ مؤجَّل،
أن لا ينظرَ خلفَه، وكأنّه نجا بأعجوبة.
أن يمتلكَ لحظةً واحدةً لا يكونُ فيها مُطارَدًا بالحسابات،
مُثقَلًا بالمفاضلات، ولا واقفًا عند حافّةِ الخياراتِ الضيّقة.
أن لا يقضي عمرَه في تهذيبِ أحلامِه لتُناسبَ المساحةَ المُتاحة،
أن يكون هو… حقيقةً لم تخضع للمساومة
أن يكون هو… بكلِّ ما للكلمةِ من حرّية!
من المهم التنويه أن موقعنا يلتزم بالبند 27 أ من قانون الملكية الفكرية (סעיף 27א לחוק זכויות היוצרים). ويبذل قصارى جهده لتحديد أصحاب الحقوق في المواد المختلفة المنشورة لديه. وفي حال كانت لديكم اية ملاحظات تتعلق بحقوق الملكية، فيرجى الاتصال بنا للتوقف عن استخدامها عبر الخاص في هذه الصفحة او على ايميل: almasar@gmail.com