محمود تيسير عواد محاميد: عن رحلة الشتاء والصيف!!

لم تكن بالرحلة الهينة، كان الطريق يعج بالمطبات وخيبات الامل ولا يزال بالطبع الى اللحظة. وما بين رحلة الشتاء والصيف، كانت تصطف طوابير من سنوات مأساوية وعشرات آلاف الجثامين التي تنتظر من يكفنها، او على الاقل كانت بانتظار من يواريها الثرى فإن اكرام الموتى دفنهم.

لم اعقد النية، كما في السنين التي مضت تباعا، على السفر، ولكني كنت اطيل النظر الى كل الحاصل هنا. فهنا كانت قد تجلت حقيقة ما خفي على الناس.. الحقيقة قد تتوارى عن الانظار الى بضع من الوقت، ولكنها لا توارى الثرى كالموتى، ولا تنتظر من يقوم بطقوس دفنها، ليتقاضى اجرة لقاء قيامه بذلك، ولكنها كانت تختفي لتعود، وتعيد ترتيب اوراقها من جديد، ولتكتسب العزيمة والمهارة والقوة، لتلطم خد الباطل الوقح، بكل ما اوتيت من قوة.

ما بين رحلة الشتاء والصيف رحلات وصولات وجولات، تسلق بها القلم الى اعالي القمم تارة، وتارة غاص الى اعماق البحار للتفتيش عن حروفه، التي توارت هي بدورها كالحقيقة عن الانظار التي تكتب بها سطور تلك الحقيقة.

في الواقع لم اشق طريقي الى مكة في رحلة مكلفة مادية، ومنهكة للطاقة الجسمانية، لرجم ابليس، كما يفعل معشر الحجيج. بل كنت قد سبقتهم سيرًا على الاقدام الى هناك، تحت جنح الظلام ، ولا يسرع بي قطار الى حواري مكة، تفوق سرعته سرعة الصوت، ولم اكن قد صعدت على متن باخرة تشق عباب البحر لترسو بي في ميناء جدة، عروس البحر الأحمر – كما يطلق عليها، فلا عروس بحر يفوق جمالها جمال عروس مدن الساحل هنا، ساحلنا الذي لا زالت تتغنى بجماله اجمل واعذب ابيات الشعر على مر التاريخ…

كانت رحلتي ما بين رحلة الشتاء والصيف مصحوبة بالعواصف والعواطف وقلم وآلاف الحروف التي حملتها الى هناك لأخطّها مظالم وارجم بها وجه الصنم، الذي نصبه الاعراب عليهم لها دون وجه حق.

يشاع بان الشتاء قد انقضى، ويشاع كذلك بان الصيف قد حل بأوج طاقاته، ولكني كعادتي كنت اشكك بكلتا الاشاعتين، لم أكن انا بالطبع ولكنه القلم ان جاز لي ان أشي بسر قلمي. ولكن ليس من طبعي الوشاية بأسرار أقرب المقربين الى نفسي، قلمي وحروفي، ولكنه كان يلح علي في كل مرة هممت بأن أستلّه من غمده لادغدغ احاسيس الحروف التي تكاد تخرج من رحمه الحانا تطرب اجواء شبه حزينة، او اجواء ضبابية لا تبالي بأي حس بشري او آدمي.. اجواء تافهة لا تمت الى الواقع المرير الذي يكتنف ربوعنا بأي صلة، كان يلحّ قلمي ان أشي بسرّه واخرجه الى العلن، فانا انا من لعن الطغاة واتباعهم، وانا انا من ذهب ليرجم ابليس في اي مكان دون دعاية او مهرجان كتصفيق القطيع لراعي الغنم.

لم ينقضِ الشتاء.. وعلى كل حال ، لا تزال بعض الكلمات بحاجة الى الكثير من قطراته لتنمو وتشق طريقها من باطن الليل الى نور النهار ، ولا تزال الانهار بحاجة الى كميات وفيرة من المياه المتدفقة لتروي جوفها. ومن ثم قد يأذن الكاتب للصيف بان يأتي لتكتمل روايته الموسمية ما بين الرحلتين تشق خلالها قوافل الحجيج طريقها مقفلة، تعود ادراجها قبيل الغروب لتتلو على مسامع المساء بضعًا من اسطر رواياتي، التي ستزلزل ذات زمان عرش الجهل المتربع في عقليات الأكثرية!

من المهم التنويه أن موقعنا يلتزم بالبند 27 أ من قانون الملكية الفكرية (סעיף 27א לחוק זכויות היוצרים). ويبذل قصارى جهده لتحديد أصحاب الحقوق في المواد المختلفة المنشورة لديه. وفي حال كانت لديكم اية ملاحظات تتعلق بحقوق الملكية، فيرجى الاتصال بنا للتوقف عن استخدامها عبر الخاص في هذه الصفحة او على ايميل: almasar@gmail.com

زر الذهاب إلى الأعلى