خالد أحمد اغبارية: جاء العيد!

لنعلم أنّه لم تشرع أعياد المسلمين لمجرد الفرح واللعب والتزاور، ولكنها من شعائر الدين وعباداته، فالسنّة فيها أن يظهرها المسلمون ويعلنوا بها.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: “الأعياد هي من أخص ما تتميز به الشرائع، ومن أظهر ما لها من الشعائر”.

ولذلك تجد كل دين، وكل مذهب: له أعياد يهتم بها أتباعه، ويظهرونها: لأنها جزء هام من دينهم .

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: “إِظْهَار السُّرُورِ فِي الْأَعْيَادِ مِنْ شِعَارِ الدِّينِ”.

إذن، فإظهار السرور في العيد هو من العبادات التي يتقرب بها المسلم إلى الله.

وقد روى أحمد عن عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: “قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَئِذٍ – يعني يوم أن لعب الحبشة في المسجد: “لَتَعْلَمُ يَهُودُ أَنَّ فِي دِينِنَا فُسْحَةً؛ إِنِّي أُرْسِلْتُ بِحَنِيفِيَّةٍ سَمْحَةٍ”.

ثم إنه لا تعارض بين إظهار الفرح بالعيد، والتألم على ما أصاب المسلمين، والحزن على حالهم؛ فإن المسلم يظهر فرحه بالعيد، إظهارا لدينه، وإعلاء لشأنه، وهو مع ذلك يحزن لأحزان المسلمين .

فينبغي أن يجمع المسلم بين الأمرين: يظهر شعائر الدين وعباداته، كصلاة العيد وإظهار شيء من الفرح والسرور به، وفي الوقت ذاته يحزن لما أصاب إخوانه ويتألم لآلامهم .

ولا شك أن المسلم كلما كان أكثر شعورا وإحساسا بآلام إخوانه المسلمين، قل توسعه في مباحات اللهو واللعب، وإن أفسح لنفسه حاجتها وطلبتها من النافع من مظاهر الفرح بالعيد، وشكر نعمة الله عليه.

جاء العيد وفرحته لا تنتهي، لكن هناك من لا يشاركون في هذه الفرحة، هم أهلنا الذين يعانون من الجوع والفقر، فكيف نحتفل بالعيد ونحن لا نستطيع إدخال الفرحة إلى قلوبهم؟ إن هذا السؤال يجب أن يرافق كل احتفال بالعيد، ويجب أن نضع يدا في يد للعمل على إزالة هذه المعاناة.

العيد هو فرصة لتبادل المحبة والصدقات، ولإدخال السعادة إلى قلوب الفقراء والمحتاجين، فمن خلال تبادل التهاني والصدقات، يمكننا أن نوفر لهم بعض الفرحة التي يستحقونها، فالعيد ليس مجرد إجازة، بل هو فرصة لتقوية روابط الألفة والتضامن بين الناس.

أولوياتنا في العيد يجب أن تكون توفير الاحتياجات الأساسية للأهل والفقراء والمحتاجين، فبدلاً من تبادل الهدايا الثمينة، يمكننا توجيه هذه الأموال إلى توفير الغذاء والملابس لهم، فالعيد هو فرصة لتبادل المحبة والصدقات، ولإدخال السعادة إلى قلوب الفقراء والمحتاجين، فمن خلال تبادل التهاني والصدقات، يمكننا أن نوفر لهم بعض الفرحة التي يستحقونها.

لا يمكننا أن نغفل عن المعاناة التي يعيشها أهلنا الفقراء، بل يجب علينا أن نتحرك لإنقاذهم من هذا الوضع، فعلى كل من لديه القدرة أن يشارك في حملات التبرع وإغاثة الفقراء والمحتاجين، فالعيد هو فرصة لتقوية روابط الألفة والتضامن بين الناس، ولإدخال السعادة إلى قلوب كل من يحتاجها.

جاء العيد حاملاً معه أتراح وأحزان المستضعفين في أرض الإسراء؛ فهم لا يعرفون كيف يفرحون ولا متى يحتفلون بالعيد، ومع من يكون الاحتفال! فقد أطل عليهم وأحبابهم ما زالوا تحت الأنقاض لا هم في بيوتهم آمنين ولا في قبورهم مكرمين!، لقد أتى العيد إليهم وأب من الآباء يقول: «لم يعد لي أحد في الدنيا، مع من أحتفل بالعيد»!

جاء العيد على أمّ تكلم نفسها وقد اختُطِفَ ابنها: «إيش عملوا فيك يا حبيبي؟!».

جاء العيد وطفلة من أطفالهم تبكي أخاها وتقول: «رجِّعوا لي إياه، كان نايم بحضني»، والطفل يبكي أخاه وصديقه مردداً: «شو ذنبهم؟!»، وقد قُتلوا غدراً! أو يحمل أخاه الرضيع وهو يرتجف قائلاً: «وحياة الله خائف»!

جاء العيد على أهلنا والحلم الأكبر لهم تجسده هذه الأم: «حلمي أعود لبيتي، وأولادي يرجعون لجامعاتهم».

المؤمنون إخوة: إن كان هذا هو عيد أهلنا هناك، فإن قلوب المؤمنين تشاطرهم أحزانهم وتسعى للتخفيف من معاناتهم وآلامهم، إنها تدعو لهم ليلاً ونهاراً، سراً وجهاراً، لا يهدأ لهم نوم، ولا يغمض لهم جفن! قلوبهم تعتصر حزناً لأجلهم ويودون لو يفتدونهم بأنفسهم وأموالهم.

يقول النبي – صلى الله عليه وسلم: «مَثَلُ المُؤْمِنِينَ في تَوادِّهِمْ، وتَراحُمِهِمْ، وتَعاطُفِهِمْ مَثَلُ الجَسَدِ إذا اشْتَكَى منه عُضْوٌ تَداعَى له سائِرُ الجَسَدِ بالسَّهَرِ والْحُمَّى» (رواه مسلم).

إنه تداعي المسلم من أجل أخيه المسلم، بقية جسده وإلف روحه، تداعٍ يدفع المسلم إلى رفع المعاناة والكرب عن أخيه في أي مكان بكل ما يستطيع من أسباب مشروعة تخفف من معاناته وقهره واستضعافه.

ومع كل ذلك، فإن المؤمنين في كل مكان يوقنون تماماً أن في أقدار الله وقضائه حِكَما لا نعلمها، وأن في ثنايا الابتلاء والتمحيص خيراً كثيراً، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم مبشراً: «واعلم أنَّ الصَّبرَ على ما تكرهُ خيرٌ كثيرٌ، وأنَّ النَّصرَ معَ الصَّبرِ، وأنَّ الفرجَ معَ الكربِ، وأنَّ معَ العسرِ يسراً» (رواه البيهقي).

فإن جاء هذا العيد الآن بأتراحه فحتماً سيأتي غداً بأفراحه، غداً ستُبنى الديار، ويأمن الخائف، ويرجع النازح، غداً ستُفتح المدارس وتؤسَّس الجامعات وتعلو المآذن، غداً سوف يولد الأولاد وتكبر الأسَر وتمتد العائلات، وغداً يعود الحق لأهله مصداقاً لوعد الله عز وجل: (وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ) (الروم: 47)، (وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ {4} بِنَصْرِ اللَّهِ) (الروم).

ختامًا، لا يمكننا أن نعتبر العيد كاملاً إلا إذا شاركت فيه كل فئات المجتمع، وأن يكون هناك اهتمام بالفقراء والمحتاجين، فالعيد هو فرصة لتبادل المحبة والصدقات، ولإدخال السعادة إلى قلوب الجميع.

 

من المهم التنويه أن موقعنا يلتزم بالبند 27 أ من قانون الملكية الفكرية (סעיף 27א לחוק זכויות היוצרים). ويبذل قصارى جهده لتحديد أصحاب الحقوق في المواد المختلفة المنشورة لديه. وفي حال كانت لديكم اية ملاحظات تتعلق بحقوق الملكية، فيرجى الاتصال بنا للتوقف عن استخدامها عبر الخاص في هذه الصفحة او على ايميل: almasar@gmail.com

زر الذهاب إلى الأعلى