هديل أيوب محاجنة: تحولات في الكنيست الإسرائيلي خلال يونيو 2025.. بين أجواء الحرب ومحاولات تآكل الديمقراطية

في ظل تصاعد التوترات العسكرية بين إسرائيل وإيران، لم تقتصر الأزمة على الجبهات الميدانية فقط، بل امتدت إلى أروقة الكنيست، حيث شهد شهر يونيو 2025 حالة من الاضطراب السياسي والتشريعي غير المسبوقة. إذ تعكس الأوضاع البرلمانية حالة من الانقسام الحاد داخل المجتمع الإسرائيلي، حيث تتقاطع أزمات الأمن القومي مع التحديات الديمقراطية، لتشكّل اختبارًا حقيقيًا لمدى قدرة النظام السياسي على الصمود.

محاولة فاشلة لحلّ الكنيست – مناورة أم تهديد ديمقراطي؟

في 12 يونيو 2025، قدمت المعارضة في الكنيست مشروع قانون لحل البرلمان والدعوة إلى انتخابات مبكرة، في سياق فقدان ثقة متزايد بين الجمهور تجاه إدارة الحكومة للحرب وتداعياتها الاقتصادية والاجتماعية. وبحسب تقرير صحيفة هآرتس، جاء التصويت على هذا المشروع متقاربًا جدًا، حيث رفضه 61 نائبًا مقابل تأييده 53 نائبًا، ما يشير إلى استقطاب داخلي خطير يعكس الانقسام العميق في المشهد السياسي.

من اللافت أيضًا أن بعض أعضاء الائتلاف الحاكم هددوا بالتصويت مع المعارضة، في خطوة اعتُبرت تهديدًا واضحًا لاستقرار الحكومة. لكن، كما نقلت قناة كان (KAN)، تراجعت هذه المواقف عقب ضغوط حزبية ومفاوضات مع الأحزاب الحريدية، التي لعبت دورًا محوريًا في منع حل الكنيست. هذه المناورات أظهرت أن الحكومة تعتمد على توازن هشّ، حيث أن فقدان دعم أي من مكونات الائتلاف يمكن أن يؤدي إلى زعزعة الاستقرار.

مثال واضح على هذه الهشاشة هو التوتر بين التيارات العلمانية والدينية داخل الائتلاف، الذي أثّر بشكل مباشر على القرارات السياسية. فالتحالف بين الأحزاب الحريدية واليمين المتشدد يشكل أداة ضغط قوية تساهم في إبقاء الحكومة قائمة، رغم الخلافات الداخلية والضغوط الشعبية.

تعزيز صلاحيات الحكومة: من الطوارئ إلى سلطة شبه مطلقة؟

في ظل استمرار التصعيد العسكري، بادرت الحكومة إلى توسيع صلاحياتها التنفيذية، مستندة إلى حالة الطوارئ. خلال يونيو، أقرّ الكنيست قانون “استراتيجية الأمن القومي”، الذي يمنح الحكومة سلطة إعداد وتنفيذ خطط أمنية سرية، مع تقديم ملخصات محدودة للرأي العام. وفقًا لتقارير صحيفة معاريف، هذا القانون يُعتبر خطوة نحو تقليص الشفافية والرقابة البرلمانية، حيث يمكن للحكومة اتخاذ قرارات مصيرية بعيدًا عن أنظار الجمهور والنواب.

المعهد الإسرائيلي للديمقراطية حذر في تقريره السنوي من أن هذا القانون يعزز سلطة الحكومة ويضعف آليات المحاسبة، ما يهدد التوازن الديمقراطي في إسرائيل. وقد أشار التقرير إلى مخاطر “التمديد اللامحدود” لحالة الطوارئ، حيث تتحول الإجراءات الاستثنائية إلى قواعد دائمة، تتعارض مع روح القانون الأساسية.

يمكن ملاحظة أمثلة تاريخية في دول أخرى شهدت أزمات أمنية طارئة، مثل تركيا في أواخر العقد الماضي، حيث استُغلّت حالة الطوارئ لتوسيع صلاحيات الرئيس، ما أدى إلى تقليص استقلال القضاء وقمع المعارضة. هذه التجارب تقدم تحذيرًا واضحًا حول المخاطر التي تواجهها الديمقراطيات في أوقات الأزمات.

غياب الشفافية و”تشريعات بلا رقابة”

شهد شهر يونيو غيابًا لافتًا للشفافية البرلمانية، حيث تم تأجيل جلسات التحقيق البرلماني وتعليق استجوابات عدد من الوزراء والمسؤولين، بذريعة “أولويات الحرب”. موقع ynet نقل عن نواب المعارضة وصفهم لهذا التوجه بأنه “سابقة خطيرة” تمهد لتغييرات جوهرية في طبيعة الحكم، عبر تقليص دور الكنيست كمؤسسة رقابية.

بالإضافة إلى ذلك، أُثيرت قضايا حول مشاريع قوانين تحاول فرض شروط تعجيزية على تأسيس أحزاب جديدة، وتقييد عمل المعارضة، مما يعزز احتكار السلطة ويحد من التنوع السياسي. هذه الإجراءات تعتبر من علامات التحول نحو نظام يركز السلطة في يد فئة ضيقة من القادة، ويقلل من فرص المعارضة في التعبير والمنافسة.

تحذيرات المجتمع المدني: علامات تسلّط متزايدة

في ظل هذه الأجواء، أصدرت عدة منظمات حقوقية ومراكز بحثية، أبرزها المعهد الإسرائيلي للديمقراطية، بيانات تحذر من أن الحكومة تستغل أجواء الحرب لإحداث تغييرات هيكلية خطيرة في نظام الحكم، قد تؤدي إلى نظام حكم سلطوي مقنّع. تقارن هذه التحليلات الوضع الإسرائيلي الحالي بأزمات مشابهة في دول أخرى، شهدت خلالها تقييد الحريات وتركيز السلطة، ما أدى إلى تراجع كبير في الحريات المدنية.

مثال آخر هو الأزمة السياسية في المجر خلال العقد الماضي، حيث أقر البرلمان تغييرات دستورية وقوانين تحد من استقلال القضاء وحرية الإعلام، في ظل مبرر الأمن القومي. هذه التجارب توضح كيف يمكن لحالة الطوارئ أن تتحول إلى أداة لتغيير جوهري في طبيعة الحكم.

خلاصة

يعتبر شهر يونيو 2025 محطة مفصلية في تاريخ السياسة الإسرائيلية. إذ لا يقتصر التحدي على الحرب الخارجية، بل يمتد إلى صراع داخلي على جوهر النظام السياسي والديمقراطي. ففي الوقت الذي تسعى فيه الحكومة لتثبيت سلطاتها وتوسيعها، تواجه معارضة ومجتمعًا مدنيًا يحاولان الحفاظ على قيم الديمقراطية والشفافية.

مستقبل الديمقراطية الإسرائيلية اليوم رهين بوعي هذه القوى، وبقدرتها على الصمود أمام تحديات الأمن والطوارئ، وعدم السماح بتحول مؤسسات الدولة إلى أدوات حكم مركزية تخنق الحياة السياسية وتحد من حقوق المواطنين.

** المسار: المقالات المنشورة تعبر عن آراء كاتبيها، ولا تعبّر بالضرورة عن موقف الموقع وهيئة التحرير

من المهم التنويه أن موقعنا يلتزم بالبند 27 أ من قانون الملكية الفكرية (סעיף 27א לחוק זכויות היוצרים). ويبذل قصارى جهده لتحديد أصحاب الحقوق في المواد المختلفة المنشورة لديه. وفي حال كانت لديكم اية ملاحظات تتعلق بحقوق الملكية، فيرجى الاتصال بنا للتوقف عن استخدامها عبر الخاص في هذه الصفحة او على ايميل: almasar@gmail.com

زر الذهاب إلى الأعلى