الشيخ أحمد علي حماد – رئيس هيئة الدعوة في أم الفحم: رسالة في ذكرى يوم عاشوراء.. يوم نجى الله المستضعفين وأغرق القوم المجرمين

أهلنا الكرام أخوة الدين والإسلام:

ها نحن نعيش في هذه الأيام ذكرى عظيمة من أيام الله، ذكرى يوم عاشوراء، اليوم الذي نجّى الله فيه عبده ونبيه موسى عليه السلام ومن معه من المؤمنين، وأغرق فيه فرعون الطاغية المتجبر ومن معه من الظالمين ولا بد لنا من وقفات وعبر وعظات:

1.صيام يوم عاشوراء يكفر ذنوب سنة

عن ابي قتادة رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم قال : “صِيامُ يومِ عاشُوراءَ، إِنِّي أحْتَسِبُ على اللهِ أنْ يُكَفِّرَ السنَةَ التِي قَبْلَهُ” – رواه مسلم.

وهذا من فضل الله علينا أن أعطانا بصيام يوم واحد تكفير ذنوب سنة كاملة، والله ذو الفضل العظيم.

وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يتحرّى صيام يوم عاشوراء لما له من المكانة، فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال:

“ما رأيتُ النبي صلى الله عليه وسلم يتحرّى صيام يومٍ فضّله على غيره إلا هذا اليوم يوم عاشوراء، وهذا الشهر يعني شهر رمضان”. رواه البخاري.

ومعنى “يتحرّى” أي يقصد صومه لتحصيل ثوابه والرغبة فيه.

وعند أهل العلم يندب معه صيام التاسع من محرم (تاسوعاء), فعن ابن عباس رضي الله عنهما انه قال: “حِينَ صَامَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ يَومَ عَاشُورَاءَ وَأَمَرَ بصِيَامِهِ قالوا: يا رَسولَ اللهِ، إنَّه يَوْمٌ تُعَظِّمُهُ اليَهُودُ وَالنَّصَارَى، فَقالَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ: فَإِذَا كانَ العَامُ المُقْبِلُ -إنْ شَاءَ اللَّهُ- صُمْنَا اليومَ التَّاسِعَ، قالَ: فَلَمْ يَأْتِ العَامُ المُقْبِلُ حتَّى تُوُفِّيَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ”. رواه مسلم.

إنها فرصة أخرى لتمسح الخطايا وتُغفر الذنوب.

إنها دقائق غالية، فلا نُرخصها بالغفلة.

إنه يومٌ من أيام الله.

2.يوم عاشوراء ذكرى خالدة ترسّخ في القلوب سنّة من سنن الله لا تتبدل: أن الطغاة إلى زوال، وأن أهل الحق وإن طال بلاؤهم، فالنصر حليفهم بعون الله.ففي يوم عاشوراء تتجلّى مفارقة عجيبة:

موسى عليه السلام ومن معه من المستضعفين، هاربون بدينهم، خائفون من بطش فرعون.

وفرعون في زهوه وجبروته، مدجّج بجنوده، متغطرس بكلماته: {إِنَّ هَؤُلَاءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ، وَإِنَّهُمْ لَنَا لَغَائِظُونَ}.

لكن ما إن وصل موسى إلى البحر، حتى قال قومه: {إِنَّا لَمُدْرَكُونَ}

فقال موسى بكل يقين: {كَلَّا ۖ إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ}

فانشقّ البحر… ونجا المؤمنون… وغرق الطاغية!

عباد الله، تأملوا: فرعون الذي قال: “أنا ربكم الأعلى” وقال “ما علمتُ لكم من إله غيري”

وذبّح الأطفال واستحيا النساء، انتهى أمره بلحظة!

لحظة إذلال وغرق، لحظة يقول فيها:

“آمنتُ أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل”

3. استبطأ قومُ موسى النصر، وقالوا:

﴿أُوذِينَا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنَا وَمِنْ بَعْدِ مَا جِئْتَنَا﴾

فقال لهم قول العارف بربه، الواثق بنصره:

﴿عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ﴾

ثم نبّههم بعبارة تُبشّر بالنصر فقال:

﴿فَيَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ﴾

وما أقبح استبطاء النصر وسوء الظن بالله، قال الله:

﴿وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنتُم بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ﴾

وما أحسن الظن بالله الذي قال: “وعد الله لا يخلف الله وعده ولكن أكثر الناس لا يعلمون”

4.في يوم عاشوراء، أراد النبي ﷺ أن يعلّمنا أن فرحة النجاة لا تكون بالزينة والموائد فحسب، بل بالتعبد لله، فقال في الحديث المتفق عليه: “نحن أحقُّ بموسى منهم، فصامه، وأمر بصيامه.”

ولذلك نصومه شكرًا لله، وتربيةً على اليقين والثبات.

5.عباد الله، لنستخلص هذه الدروس:

أ. الطغاة مهما علا طغيانهم، فإنهم إلى زوال وهذه سنّة الله التي لا تتبدل.

ب. الحق لا يُقاس بعدد أتباعه، بل بثبات أصحابه :

قال تعالى:”كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ”

ت. اليقين بالله أعظم سلاح للمؤمن في أوقات الأزمات

قال موسى:”كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ” ففرّج الله له ونجّاه.

ث. الفرج قد يأتي في أحلك اللحظات:

عند الحصار، عند انسداد الأبواب، تأتي يد الله بالمعجزة.

6. ليس من قبيل المصادفة أن يخرج المسلم من حدث الهجرة إلى حدث عاشوراء.

فلا شيء في كون الله إلا وهو مخلوقٌ بقدَر.

ولئن كانت تلك أيام الله، فما حكمة أن يكون يوم عاشوراء هو المناسبة الأولى التي تنتظر المسلم بعد خروجه من أيام الهجرة؟

لقد كانت الهجرة تبعث في الوجود: {خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ}

وكانت عاشوراء تحدد صيغة ومعنى هذه الخيرية، وسر هذا التفوق الذي تميزت به الأمة الإسلامية.

فعلى هذا، كان منهجُ الإسلام في الإصلاح، وبالأحرى في استلام راية الرسالة الخاتمة منهجًا يجوز أن نسميه:

“نحن أوْلَى”

7. النداء الأخير

النداء الأخير: يا أمة الإسلام، لا تيأسوا من روح الله، ولا تهابوا من صولة الباطل، فالله مع المؤمنين، وإن مع العسر يُسرًا، وإن النصر مع الصبر وان في الأحداث والتاريخ لعبرة: {إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَعِبْرَةً لِّمَن يَخْشَىٰ}

اللهم اجعلنا من أهل الحق، وثبّتنا على الصراط المستقيم،

وانصر المستضعفين من عبادك المؤمنين في كل مكان.

وصلّ اللهم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

الشيخ أحمد علي حماد – رئيس هيئة الدعوة في أم الفحم

السابع من محرم 1447هـ الموافق 2.7.2025م

من المهم التنويه أن موقعنا يلتزم بالبند 27 أ من قانون الملكية الفكرية (סעיף 27א לחוק זכויות היוצרים). ويبذل قصارى جهده لتحديد أصحاب الحقوق في المواد المختلفة المنشورة لديه. وفي حال كانت لديكم اية ملاحظات تتعلق بحقوق الملكية، فيرجى الاتصال بنا للتوقف عن استخدامها عبر الخاص في هذه الصفحة او على ايميل: almasar@gmail.com

زر الذهاب إلى الأعلى