د. رافع يحيى: في زمن النفاق.. الكلمة جريمة!

ماذا تقول عنهم؟ إنهم منافقون، يكرهون الكلمات، ويخافون منها. فالكلام الصادق مرآة، وهم يكرهون أن يروا حقيقتهم العارية.
الكلمة عندهم ليست وسيلة للتعبير، بل خطرٌ داهم يهدد استقرار الزيف الذي بنوه لبنةً فوق لبنة.
لقد باتت الحقيقة تهمة، وأصبح الصدق عزلة، وأضحى صاحب الرأي كائنًا منبوذًا، لأنهم لا يتحملون ضوءه.
الكلام مقدّس، لأنه يحمل في جوهره شرف الإنسان ووعيه وضميره، لكننا اليوم نعيش في زمنٍ تُحرق فيه الكلمات كما تُحرق كتب الحقيقة.
نعم، نعيش في زمن النفاق، زمنٍ يُكافأ فيه الكاذب، ويُحتفى فيه بالمنافق، ويُقصى فيه الصادق لأنه “يحرجهم”. الحقيقة عُري، والعُري صدمة، وهم لا يريدون أن يصدمهم شيء.
إذا قلت الحقيقة كنت وحدك، لأن الجموع تحب من يغني لها، لا من يوقظها من غفلتها. الكذب صار هواءهم، والنفاق ثوبهم، والسطحية دينهم الجديد.
تخيل أن يعيشوا في كذبة ثم يتصورونها جنة!
جنة مزيّفة، تريحهم من مواجهة حقيقتهم البائسة.
إنهم لا يحبون الضوء، لأن الضوء يكشف، والوضوح يفضح، والكلمة الصادقة تخلخل معابد الوهم التي يسكنونها. هم أبناء العتمة، ينامون فوق الوسائد المليئة بالزيف، ويتمددون على أرائك الوهم، لأن الحقيقة ثقيلة،
تؤلمهم، تحاصرهم، تفقدهم توازنهم المزيّف.
كم يعيشون في كهف أفلاطون، حيث يظنون الظلال حقائق، وحين يخرج أحدهم ليقول لهم: “هذا مجرد وهم”، يقتلونه رمزيًا، أو معنويًا، أو حتى جسديًا.
إنهم قتلة الأنبياء، قتلة الفلاسفة، قتلة المساكين الذين لا يملكون سوى قلوبهم وأفكارهم النقيّة. هم الذين باعوا ضمائرهم في سوق المنافع، ولبسوا عباءة الورع وهم غارقون في الخداع.
فلعنةُ اللهِ عليهم، وعلى كل من يحارب الصدق، وعلى كل من يخنق الكلمة النقية، على كل من جعل من النفاق وطنًا ومن الكذب دينًا، ومن الصمت فضيلة.
فلتبقَ الكلمة حرّة، ولو نُفيت، ولو سُجنت، ولو شُوّهت.
فالكلمة الصادقة لا تموت، وإن ماتت اليوم، فإنها ستبعث غدًا من رمادها.

 

من المهم التنويه أن موقعنا يلتزم بالبند 27 أ من قانون الملكية الفكرية (סעיף 27א לחוק זכויות היוצרים). ويبذل قصارى جهده لتحديد أصحاب الحقوق في المواد المختلفة المنشورة لديه. وفي حال كانت لديكم اية ملاحظات تتعلق بحقوق الملكية، فيرجى الاتصال بنا للتوقف عن استخدامها عبر الخاص في هذه الصفحة او على ايميل: almasar@gmail.com

زر الذهاب إلى الأعلى