محمد بكرية: فصل من حُلُم ليلة صيف فاتَتْ كتابتُه على شكسبير!

أنا لمْ يُصِبني أذى، ما زلتُ كاملَ التكوين بعد الغارة السابعة في نفسِ اللّيلة التي أبَتْ الانتهاء، رأسي يتحرّكُ كما دائمًا، أطرافي الاربعة سالمة، شفتاي الزرقاوان من انحسارِ الدّمِ على حالهما، أنفي ذو الفتحتيْن الواسعتيْن يجرّان الهواء المغبرّ إلى رئتيّ بصعوبة، كلّ مكوّناتِ جسمي الهزيلِ بخير ، حتى ذاك العضوِ الخفيّ أسفلَ صُرّتي يغطّ في سبات الميتين، وقد أصابه الخدَرِ.
لكنّني أبيضُ كالعفريت من رأسي حتى أخمص القدمين ، فقد كساني غبارُ الركام تمام، بحركاتٍ عفوية شرعتُ في نفض ذاك الغبارِ الأبيضِ المخلوطِ بالرّملِ الأصفر، وحينما كنتُ مشغولًا بهذه المهمّة كما أفعل بعد كلّ غارة، وأنا متسمّرٌ مكاني، ساقاي ترتعدان وعيناي تشخصان إلى بطنِ السماء تستشرفان أحوالَها وما تخبّئ من مفاجآت، وإذ بصوتٍ مخنوق، متحشرِج، يصلُني خافتًا من وراء جدارٍ ساقط.
أنا لا أريدُ أيّ شيء، هل تَسمعُني يا حبيبي! كأنّ صاحبَه قد شارفتْ روحُه على بلوغ الحلقوم، توقفتُ عن نفض الغبار وانخرستُ تمامًا، ثمّ استأنف الصوتُ متعمّلًا لينقلَ صاحبُه أمنيته الأخيرة.
– أخافُ من الظلام مذ وُلِدتُ، لا أريدُ الموتَ تحت الركام، سيصلون إلينا! أليس كذلك يا حبيبي؟
– لا أدري، ربما، ربما، يا ريت، وأنا أريدُ موتًا يليقُ بجسدي، أخافُ من الكلاب الضالّة، أخاف على أعضائي من أن تعبثَ بها في الرمال، ليتهم يصلون إلينا، ليتهم، صمتٌ، صمتٌ، ثمّ انفجارٌ ، تتطايرُ صخورٌ في المدى، نارٌ، لهيبٌ، لا يُعرفُ لونُه، أحمر، أصفر! يضيء السماء، ثمّ انفجارٌ اخر، دويّ وصدى، صدى ارتدادِ زلزال…
صمت ما بعد القيامة وانبعاثِ الخلق أفواجًا من أجداثِهم، كأنّ الأرض قد أخرجَتْ أثقالها، وصارت الجبالُ كالعِهن المنفوش..
– أتسمعني يا حبيبي، غارة أخرى، انكفأتُ على الأرض الرمليّة قابضًا على مؤخرة رأسي ،ملصِقًا عضِدّيّ بأذنيّ مغمِضًا عينيّ كي لا أسمع ولا أرى الموت، فالموتُ يُسمَعُ ويُرى أحيانًا، وحين لا تسمعُه وتراه قادمًا إليك يأخذُك على حين غرّة فلا تشعرُ بعنفوانِه كما يريدُ هو، هي حكمةٌ علّمتْنا إياها الحروبُ والغارات، انقضتْ الغارة وعادتْ الطائراتُ إلى مرابضِها، ثمّ جاءني الصوتُ:
– أنا بخير وأنتَ؟ تفقّد أعضاءكَ جيّدًا!
– لا أشعرُ بأطرافي! إلاهي، إلاهي، لا تدَعْني للكلاب..
– لا تقلق سيصلون، متأكدة أنهم قادمون، ليتني أموت غرقًا كي لا أقضي تحت الركام، أنا أخاف من الظلام، آااااخ..
– أريد أن أموت بجانب إنسيّ كي لا تعبثُ بي كلاب الليل، أريد أن أسجّى كاملًا حتى ترَيْنني يا حبيبتي بهيّا، كاملًا غير منقوص، آااااخ…
– هاتِ يدَكَ، واقترب لأضلّل الكلاب، إن عثرَتْ علينا سينشغلون بجسدي ويتركونك..
– اقتربي أنتِ كذلك ، إنْ سقطتْ علينا حجارة البيت سأدفن معك تحتَها، هكذا تجدينَني ونيسًا لكِ في عتمة الركام..
انفجار، ثم اخر، يا لها من ليلة لن تنتهي، انفجار، لهيب، نار، أرتمي على الأرض لا إراديّا كأنّني تدرّبتُ على الهروبِ من الموتِ منذ سنين، ثمّ صمت، صمت مريب..
– هل ابتلعَتْ الأرضُ ما فوقها؟
صمتْ، إلاهي، لا أقوى على تحريكِ يديّ أو رجلَيّ، أنا لا أرى، لا أرى، صمت، لمْ تعدُ تصلُني حشرجاتُهما..
– هل قضيَا؟ أمْ لا يزالان ينتظران وصول المسعفين علّ حلميْهما في موتٍ هادئ يصبحُ حقيقة، كما لم يحدث في هذه الدنيا؟
صمتٌ.. صمتٌ.. صمتٌ…!
من المهم التنويه أن موقعنا يلتزم بالبند 27 أ من قانون الملكية الفكرية (סעיף 27א לחוק זכויות היוצרים). ويبذل قصارى جهده لتحديد أصحاب الحقوق في المواد المختلفة المنشورة لديه. وفي حال كانت لديكم اية ملاحظات تتعلق بحقوق الملكية، فيرجى الاتصال بنا للتوقف عن استخدامها عبر الخاص في هذه الصفحة او على ايميل: almasar@gmail.com