شوقية عروق منصور: في الزمن الغزي زجاجات مليئة بالتضامن ورمي صناديق من الفضاء

بدأنا ننسى عبارات الحب ، وننسى غبار العلاقات الإنسانية ، ولكن منظر الزجاجات – القناني – وهي تتطاير في الفضاء ثم تسقط في البحر أعاد الخيال إلى رسائل البحر، تلك الرسائل التي كانت تُكتب وتوضع في زجاجات وترمى في البحر ، لعلها يوماً تصل إلى انسان ما ، أو لعل القدر يوصلها إلى أصحابها .
ولكن عندما رأيت بعض المصريين يضعون الطعام في الزجاجات ثم يلقونها في البحر لعلها تتحدى الحصار و تصل إلى أهالي غزة ، شعرت أن زمن الرومانسية قد ولى ونحن في عصر الوحشية .
قد تكون الفكرة مضحكة وساذجة ، وحين نطرح تلك الفكرة يأخذنا الخيال مصافحة هدير البحر وأمواجه العالية وقوانين الجذب والهرولة نحو القاع ، ولكن حين نرى الأيدي وهي تقذف الزجاجات المليئة بالطعام نشعر أن رمي الزجاجات ليست مغامرة ومقامرة ، بل هي خطوة رمزية تتحدى أقوى الدبابات والطائرات وتحطم أسوار الحصار، وتمزق قرارات القادة .
نكرر “الجوع كافر” رحم الله زياد الرحباني، الذي أطلقها بشجاعة رجل يعرف أن المواقف لا تتجزأ ، وأن الجوع عند كل الشعوب يؤدي إلى الكفر بجميع المبادئ والجمعيات والقوانين والإنسانية الفارغة من قيمها .
مشاهد الجوعى في قطاع غزة والأطفال الذين أصبحت هياكلهم العظمية خارطة لصورة حصار بشع ، تبث صورة على الجهات الأربع ، يعيد إلى الأذهان الصفحات التاريخية ، لكن هذه المرة الصفحات ملونة وتسجل بالصوت والصورة والصراخ والآهات وطوابير حاملي الأواني والطناجر، هؤلاء الذين أصبح رغيف الخبز بالنسبة اليهم حلماً .
ترتجف الأجساد جوعاً أمام هول المجاعة ، وتستيقظ في الروح تساؤلات عن معنى الإنسانية المفقودة في هذا الزمن، الزمن الذي يتغنى بالتجويع ويفتخر وتنتفخ مسامته بكبرياء القرارات ، وتصبح تصريحات القادة والزعماء والوزراء أقواس قزح ، حيث كل قوس يحمل ظل مبادئه وأبجدية سلطته السياسية ، ولا أحد يربط حزام القرار ويقف رافضاً أشكال التجويع الغزي ، التاريخي ، وتبقى الدائرة تتلون بين صُناع القرار يمضغون كلماتهم ، بينما الطفل الغزي يشهق شهقته الأخيرة ويموت جوعاً .
طريقة وضع الطعام في زجاجات والقاء الزجاجات في البحر لعلها تصل، حكاية من أساطير ألف عشق وعشق ، ولكن رميها في هذا الوقت يعيد إلى الصمت المزنر بالوجوه العاجزة للحكام والرؤساء نبض التضامن والمشاعر الإنسانية ..!! الزجاجات مثقلة لكن ليست بالطعام بل بالتأكيد أن التاريخ سيفتحها وغداً يفرغها ويصنع منها جبالاً من المواقف .
- رمي الصناديق من الفضاء
في موسم ” الحرب على غزة ” تناثرت الصور حتى غطت الكرة الأرضية ، ولكن رؤية الطائرات التي تقذف الصناديق المملوءة بالأطعمة والمعلبات والأغذية في الفضاء وحسب مزاج المنطاد والرياح يسقط ، بعيداً في البحر ، هنا وهناك ، لكن تراكض الجوعى هو الصورة الكبيرة ، مؤلمة في زمن التخمة العربية ، ولا أعرف من اخترع أسلوب رمي الصناديق من الفضاء ، في ظل الشوارع والطرق والمعابر والحدود ، لا أعرف إلى أي منحدر يريد أن يصل هذا الذي اخترع أسلوب الرمي من الفضاء ؟ لكن مؤكد كان قاصداً صورة الرمي .
أن صور الذين يتراكضون للحصول على شيء يأكلونه و يسد رمقهم ،من الصور التي وضعت داخل البومات “الذل” لقد أراد هؤلاء الذين يقفون وراء هذه الفكرة إذلال الناس وسحق انسانيتهم التي تهرول وراء لقمة تأتي مغلفة بالعنجهية .
شوقية عروق منصور
من المهم التنويه أن موقعنا يلتزم بالبند 27 أ من قانون الملكية الفكرية (סעיף 27א לחוק זכויות היוצרים). ويبذل قصارى جهده لتحديد أصحاب الحقوق في المواد المختلفة المنشورة لديه. وفي حال كانت لديكم اية ملاحظات تتعلق بحقوق الملكية، فيرجى الاتصال بنا للتوقف عن استخدامها عبر الخاص في هذه الصفحة او على ايميل: almasar@gmail.com