محمود عواد محاميد: العالم موحش بعد زياد!

حاولت مواساة نفسي بوجود فيروز الام بيننا، ولكن سرعان ما كنت اعود الى ارشيف الراحل زياد الرحباني. لقد قيل في حقه الكثير، وكانت الوفود تتقاطر لتقديم التعازي من كل الاطياف الدينية والسياسية، معبرة عن حزنها الشديد، بعد ان غيب الموت المقيت، قامة انسانية تجرعت هموم الناس وآلامهم، فكتبت همومهم الحاناً وتغنت الى ان وافتها المنية، بتطلعات الشعوب التوّاقة الى الحرية ونيل ابسط الحقوق المسلوبة.

من “سلملي عليه”، الى “الحالة تعبانة يا ليلى” ثم “سألوني الناس عنك يا حبيبي”، كانت هموم العالم العربي تثقل كاهل الراحل عنا الى عالم الخلود زياد الرحباني، العبقري الذي نقل الفن نقلة نوعية وترجم نبض المواطن البسيط المسحوق تحت نير الرأسمالية الى كلمات والحان خلدها التاريخ..

زياد الرحباني الذي كان يرفض الانصياع للإغراءات المالية، متمسكاً بدفاعه عن اللحن الهادف والكلمة التي من شأنها ان تبقى بعد ان تحول الفن الى تفاهة في عصر التفاهة الا من رحم ربي، وبعد ان صارت الكثير من الاغاني والالحان تتبخر وتندثر الى غير رجعة.

لم يكن زياد الرحباني بالمبدع العادي، فان الابداع درجات، ولعله كان يتصدر قمة الابداع بعد السيدة فيروز، التي لا زالت كلماتها تشنف اذاننا وتطرب قلوبنا الموجوعة كل صباح..

ليس هذا فحسب، بل ذهب زياد الى التمرد عن النهج المألوف، ولم ينصع للخطوط التي رسمه الرحابنة، فتمرد ليبدع وكان فكره الحر يمثل تطلعات ملايين من الناس حول العالم يرددون كلماته البسيطة،  الممزوجة باللحن البسيط، وقبل كل هذا بحسه الفكاهي الساخر.

رحل زياد في واحدة من أعتى الفترات حلكة التي تكتنف العالم العربي المثقل بالجراح، وبقيت بيروت الثكلى تتغنى بأمجاد فيروز الأم التي فجعها الموت بفلذة كبدها زياد.. كم قاسٍ انت ايها الموت، ولكن ستبقى افكار الراحل زياد بمثابة منارة تنير عتمة ليلنا، وستبقى الحانة تردّدها شوارع بيروت والعالم العربي برمّته.

ترحل الاجساد وتبقى امجاد الكلمات الخالدة لا يبتلعها بحر ولا يواريها ثرى.. فقد ارهقت زياد تعاسة الوطن، وهبوط الفن الى ادنى المستويات، وغياب الكلمة الحرة عن ساحة الرفعة بعد ان كانت بيروت منارة العلم والادب والفن.

رحل زياد وترك لنا ارثاً ثقيلاً وحنيناً منقطع النظير الى برنامجه الصباحي “العقل زينة”.

رحم الله فقيد الكلمة الجريئة والفكر الحر.. زياد الرحباني!

 

من المهم التنويه أن موقعنا يلتزم بالبند 27 أ من قانون الملكية الفكرية (סעיף 27א לחוק זכויות היוצרים). ويبذل قصارى جهده لتحديد أصحاب الحقوق في المواد المختلفة المنشورة لديه. وفي حال كانت لديكم اية ملاحظات تتعلق بحقوق الملكية، فيرجى الاتصال بنا للتوقف عن استخدامها عبر الخاص في هذه الصفحة او على ايميل: almasar@gmail.com

زر الذهاب إلى الأعلى