ب. ابراهيم طه: وأين سيذهب من ضيّعها كلّها؟!

قال ابن خلدون إنّ المغلوب يقلّد الغالب في كلّ شيء حتى في لغته. لكم أن تتخيّلوا بعد هذا الكلام شحنة القلق التي حلّت عقدة من لساني وأنا أرى اللافتات واليافطات فوق المصالح التجاريّة والخدماتيّة في كلّ قرانا! شحنة قلق وعتب وغضب!
أعلمُ حاجة الناس في تسويق مصالحهم وبضاعتهم بكلّ وسيلة متاحة أو مباحة. أعلم وأفهم. على حدّ علمي ومعرفتي لا يدخل إلى قرانا من أبناء عمومتنا إلا المقلوب رأسه أو من استرخص بعض الحنفيّات وبلاط الحمّام، وهؤلاء على قلّة. ورغم هذا لا بأس في أن تُكتب هذه اللافتات بالعربيّة والعبريّة. ولا مانع عندي أن تكون بالإنجليزيّة والروسيّة والأمهاريّة أيضًا.
كلّ هذا حقّ شرعيّ. ما لا أفهمه ولا يمكنني أن أفهمه هو أن تكون كلّ هذه اللغات حاضرة إلا العربيّة، كلّها أو بعضها إلا العربيّة! نعم، هناك لافتات مكتوبة بالعبريّة والإنجليزيّة وليست بالعربيّة، وليست إلى جانب العربيّة ولا قدّامها ولا خلفها ولا فوقها ولا تحتها… غريب عجيب هذا الشعور بالدونيّة أمام لغات الآخرين! أمرّ من شوارع كابول وطمرة واعبليّن وشفاعمرو، وسخنين وعرّابة ودير حنّا، وفي الجهة الثانية أمرّ من كفر ياسيف وأبو سنان، لأجد أكثر من ثمانين بالمائة من المحالّ التجاريّة قد كتبت لافتاتها بلغة غير عربيّة. عدّوها واحسبوها بأنفسكم إن كنتم تمرّون من هناك… نسبة مرعبة! نسبة مروّعة!
صحيح، قد يظلّ العربيّ عربيًّا بغير اللغة العربيّة، ويظلّ الأعجميّ أعجميًّا رغم إتقانه للغة العرب. لكنّ اللغة العربيّة تصون الحسّ العروبيّ وتحميه من الميوعة والرخاوة. بعض الناس لا يتقن إلا لغة أمّه، وهناك من يصرّ على ألا يتقن غيرها. وحقّه أن يرى لغته بين اللغات. هذا حقّه الفطريّ. هناك مصالح ومعامل صغيرة وحوانيت ومحلّات تجاريّة لا تحتاج لأيّ لغة أصلا. فهل يحتاج محلّ “بناشر” لتصليح إطارات السيّارات مثلا أن يضع لافتة بالعبريّة إذا كانت العجلات المعطوبة والمثقوبة مصفوفة أمام المحلّ تستطيع أن تراها عن بعد كيلومتر حتى لو كنت أعمش؟!
ما ضرّهم لو انتقموا للغة أمّهاتهم اللواتي ولدنهم من أرحامهنّ وأمّهاتهم بالرضاعة وأمّهاتهم بالأخوّة والجيرة والوطنيّة والقوميّة؟! ما ضرّهم لو جعلوها تعلو فوق أيّ لغة أخرى ولو على اللافتات، وهو أضعف الإيمان؟! غياب اللغة العربيّة عن لافتاتنا يعني أنها غائبة عن ذاكرتنا ووعينا العامّ. نأخذ عن أبناء عمّنا لغتهم ولا نصدّر لهم إلا الشتائم “الثمينة” بسعر رخيص!
إذا صحّ الحديث المنسوب إلى النبيّ العربيّ محمّد (ص): “أرشدوا أخاكم فقد ضلّ”، حين لحن أحدهم في حضرته، فكلّنا قد نُساق إلى النار. وإذا كان في اللحن ضلالة، والضلالة قد توصل صاحبها إلى جهنّم وبئس المصير، فأين سيذهب من ضيّعها كلّها من الألف إلى الياء؟!
من المهم التنويه أن موقعنا يلتزم بالبند 27 أ من قانون الملكية الفكرية (סעיף 27א לחוק זכויות היוצרים). ويبذل قصارى جهده لتحديد أصحاب الحقوق في المواد المختلفة المنشورة لديه. وفي حال كانت لديكم اية ملاحظات تتعلق بحقوق الملكية، فيرجى الاتصال بنا للتوقف عن استخدامها عبر الخاص في هذه الصفحة او على ايميل: almasar@gmail.com