د. محمد حبيب الله*: ثقافة الانتماء للهوية!

ما احوجنا هذه الايام الى تعزيز ثقافة الانتماء في نفوس وعقول وقلوب كل من ينتمي للأقلية العربية الفلسطينية في اسرائيل.

لقد كانت الحاجة لهذه الثقافة ملحة علينا منذ قيام الدولة (1948) وكانت الحاجة الى التربية للهوية العربية الفلسطينية ملحة من بداية الخمسينيات من القرن الماضي، حين بقينا في هذه البلاد كأقلية قومية ضئيلة لم تتعدى المائة وخمسين الف في قرانا في الجليل والمثلث والنقب وفي مدننا العربية الباقية مثل الناصرة وشفاعمرو، وفي مدن مختلطة في عكا وحيفا ويافا.

فقد بقيت فيها اقليات ضئيلة لا تتعدى الالاف في كل واحدة منها حيث نزح اكثرية السكان الى البلدان العربية المجاورة، اضطروا الى ترم بيوتهم واللجوء الى ما تبقى من فلسطين في قطاع غزة والضفة الغربية التي كانت حين ذاك خالية من الوجود اليهودي وتحولت اليوم وفي السنوات الاخيرة الى عنوان للمستوطنين اليهود الذين وصلت اعدادهم الى ما يزيد عن 700 الف مستوطن.

وعودة الى الاقلية العربية الفلسطينية في حدود الخط الاخضر، فقد واجهوا من اللحظة الاولى لقيام الدولة سياسة تدعو الى صهرهم في الدولة وتحويلهم الى يهود اكثر من اليهود، وذلك بتأثير مدّ “الأسرلة” عليهم فصرنا نراوح بين مدّ “الاسرلة” المتربص بنا ومدّ “الفلسطنة” الذي بقينا نتوق اليه طيلة وجودنا في هذه الدولة والذي اشتدّ بعد حرب الـ 67 حين انفتحنا على اخواننا الفلسطينيين في الضفة والقطاع. لقد بدأ يشتد بعدها الشعور بالانتماء الفلسطيني عند الاقلية العربية في الدولة. وازداد حدة منذ 2018 حين سنّت الكنيست “قانون القومية” التي يعتبر هذه الدولة “دولة يهودية” وما نحن الا جماعات وطوائف لا تنتمي لشيء اسمه “عروبة” و”فلسطنة” بل تحولنا في نظر القانون الى مسلمين ومسيحيين ودروز.

ومما “زاد الطين بلة” شطب الكنيست للغة العربية لغة رسمية ثانية وتحويلها الى لغة ذات مكانة خاصة، وذلك بعد ان كانت هذه اللغة الرسمية الاولى قبل قيام الدولة وفي زمن الانتداب البريطاني على فلسطين. وبما ان اللغة عنوان للهوية. فقد زادت الحاجة الى تعزيز مكانة لغتنا العربية بين المواطنين العرب الفلسطينيين في هذه الدولة، وخاصة في ظل هيمنة اللغة العبرية على حياتنا وأصبحنا نتكلم لغة مختلطة بين العبرية والعربية.

من هنا زادت الحاجة الى تعزيز مكانة لغتنا العربية في نفوس متكلّميها ومحاربة ظاهرة “العبرنة” التي تهدد كياننا وهويتنا، والدعوة الى اعلاء شأن اللغة العربية في حياتنا، والى تأكيد استعمالها في جميع مرافق حياتنا وفي سلطاتنا المحلية في قرانا ومدننا، وجعل هذه اللغة اساسا في التعامل فيما بيننا ومع سلطات الدولة والوزارات المختلفة.

لقد دعوت في كتاب صدر لي بعد سن “قانون القومية” تحت عنوان “لغتي هويتي” الى تعزيز مكانة اللغة العربية، عن طريق تسمية شوارعنا ومدارسنا ومؤسساتنا بأسماء عربية واسلامية تحمل اسماء اعلام ومواقع ذات دلالة تراثية وحضارية. هذا بالإضافة الى ضرورة القيام المستديمة بنشاطات وفعاليات تربوية مثل اعلان “سنة اللغة العربية” في كل سنة في مدارسنا، والقيام بزيارة اماكن والقيام برحلات لزيارة اماكن فيها اثار ومواقع عربية واسلامية.

ان الوضع الذي نعيشه هذه الايام يدعونا الى اعلاء تعزيز اللغة العربية لأن اللغة هي الهوية والهوية هي اللغة. وكذلك تذويت ثقافة التربية للهوية والانتماء في نفوس صغارنا قبل كبارنا بدءًا بالعائلة وانتهاءً بالمدارس والمؤسسات التربوية.

لقد تحول تعزيز ثقافة الانتماء للهوية الى حاجة ملحة وامر يجب تذويته في نفوس صغارنا وكبارنا. علينا ان نتذكر ان وجودنا كمواطنين في دولة اسرائيل يستدعي تأكيد ثقافة الانتماء في اتجاهين: القومي والمدني ففي الوقت الذي ندعو فيه الى تعزيز الهوية والانتماء والشعور “بالفلسطنة” و”العروبة” من خلال الفعاليات التي ذكرتها اعلاه ومن خلال المناهج التعليمية في المدارس، يجب علينا تعزيز الانتماء المدني كمواطنين في دولة اسرائيل يحملون الهوية والباسبورت الاسرائيلي، شأننا في ذلك شأن أي اقلية قومية تعيش في أي دولة في العالم. الى جانب ذلك علينا محاربة ظواهر التمييز العنصرية التي تسود الدولة هذه الايام ونهج اللامساواة، التي نعيشها في دولة تدعي انها دولة يهودية ديمقراطية لكنها في الواقع وتثبت في كل يوم من خلال سلوكها، ومن خلال سن قوانينها العنصرية انها دولة ديمقراطية لليهود ودولة يهودية للعرب.

ان دور العائلة والمدرسة والسلطة المحلية دور كبير في تعزيز ثقافة الانتماء للهوية عند اولادنا ومحاربة سياسات اللامساواة والتفرقة ومظاهر العنصرية، التي تستشري كل يوم في المجتمع اليهودي على صعيدين الرسمي (الدولة) والجماهيري.

وفي النهاية اسمح لنفسي ان اقتبس فقرة مما ورد في كتاب “الهوية” الذي صدر عن لجنة متابعة قضايا التعليم العربي، والذي جاء فيه القول: “نستمد حقنا في التربية للهوية من حقنا في الوجود والبقاء والتطور على ارض وطننا، ومن ايماننا بضرورة ممارسة هذا الحق، لممارسة سائر حقوقنا القومية والمدنية. اما من الناحية الحقوقية – القانونية.

فقد اقرت الاعراف والمواثيق والمعاهدات الدولية صراحة بأن الحقوق ليست سياسية او مدنية فقط بل ثقافية ايضا، أي حق الافراد والجماعات في تشكيل واعادة تشكيل ثقافتهم الوطنية وفي التعبير عنها، على اعتبار ان الثقافة هي جزء لا يتجزأ من الهوية، وان هوية الانسان جزء من كيانه وكرامته وبهذا تصبح الحقوق الثقافية جزءا لا يتجزأ من الحقوق الطبيعية للإنسان كفرد وكجماعة، فهي ليست منّا من احد بل حق طبيعي.

ان التربية للهوية الوطنية مطلب هام لأن فيه صيانة للكيان والبقاء والحقوق بمختلف اشكالها، وهو حق مشروع على اعتبار انه من الحقوق الطبيعية لكل انسان”.

ادعو بهذا المدارس والمؤسسات التربوية الى اقتناء كتاب “الهوية” الصادر عن لجنة متابعة قضايا التعليم العربي، والعمل بموجبه من خلال فعاليات تقوم بها المدارس.

* الكاتب عضو الاتحاد القطري للأدباء الفلسطينيين ورئيس لجنة متابعة قضايا التعليم العربي الاسبق لسنين طويلة.

من المهم التنويه أن موقعنا يلتزم بالبند 27 أ من قانون الملكية الفكرية (סעיף 27א לחוק זכויות היוצרים). ويبذل قصارى جهده لتحديد أصحاب الحقوق في المواد المختلفة المنشورة لديه. وفي حال كانت لديكم اية ملاحظات تتعلق بحقوق الملكية، فيرجى الاتصال بنا للتوقف عن استخدامها عبر الخاص في هذه الصفحة او على ايميل: almasar@gmail.com

زر الذهاب إلى الأعلى