شوقية عروق منصور: الحر والثيران الهائجة!

جميعنا نصرخ من ارتفاع درجة الحرارة، من الحر الشديد الذي سقط علينا ، حتى لم يعد الواحد منا يطيق نفسه، حيث لعنة الحر تبلل الملابس بالعرق، والهرولة والتفتيش عن الأماكن الباردة، عن المكيفات ، عن البقاء في الظل حتى تنتهي الموجة، تضحك جارتنا العجوز لتؤكد أنهم عاشوا أياماً كانت حرارتها أعلى من هذه، وكان الحر يصفع وجوه الصبايا وهن يقفن في طابور الانتظار أمام العين لملأ الجرار بالمياه ، أما الرجال والنساء فكن منتشرات في الحقول إما للحصيدة أو قطف الثمار والخضروات.. !!
دائرة الأرصاد تؤكد أن هذه الموجة الحارة لم تحصل منذ سنوات طويلة، ودائرة الروح والوجع تتساءل كيف يقضي أهالي غزة أيامهم الحارة ، ساعتهم النارية في الخيام ، دون كهرباء ، دون مكيفات ، دون ماء ؟؟ لا جواب ..!! لأن الأجوبة مهما كانت لا تخفف من حدة الحر الذي يعانق الموت، الذي يحمل رسائله كل لحظة عن طريق قناص أو دبابة أو صاروخ أو طائرة تبحث عن رقم يضاف إلى ارقام تخرج من الباب الخلفي للحياة .
وعلى ذكر الباب الخلفي، هل هناك من راقب أبواب الخيام المنتشرة في قطاع غزة؟! الأبواب من سلالة القبائل التاريخية التي كانت هائمة في المجهول، عبارة عن ستارة من القماش أو الجلد لا تقوم بحماية الانسان بل تفضح آهاته ودموعه وصراخه ، تمسك بيد باب الخيمة المجاورة حيث يتحدثان حول غياب الخصوصية التي تترك أسرارها مكشوفة لكل من يمر من أمامها .
تاريخ الوطن ليس الجغرافيا والتاريخ ، تاريخ الوطن هو تضاريس الحياة والأيام والليالي، تضاريس الجوع، وانتظار المساعدات ، تضاريس الصمت والأيام المكسورة على رمل وتراب الانتظار
تضاريس السخرية من الجوع، وانتشار النكات والفكاهات عن زمن الجوع والعظام البارزة.
** الثيران الهائجة
دائماً كان منظر الثيران الراكضة الهائجة يصيبني بالخوف والفزع، حتى عندما زرت اسبانيا ودعوت لحضور حفلة مصارعة الثيران رفضت ، رغم أن الأصدقاء الذين أصروا على الدعوة ، أكدوا أن مصارعة الثيران التي تُعد من الفلكلور الاسباني ورقصة المتادور أمام الثور الذي يبقى يلف ويدور حتى يدوخ الثور ويدخل مرحلة الاعياء، فيقوم المتادور بطعنه عدة مرات حتى الموت .
رؤية “مصارعة الثيران ” من الصور واللحظات الهامة للسائح القادم لإسبانيا، لكن كان اصراري على الرفض لأن منظر الثور المتهالك الذي ينزف الماً وذلاً يشعرني بمصير الانسان الذي يجد نفسه ضعيفاً امام قوة غاشمة ، قاهرة ، الجميع يصفق لها ولا أحد يشفق عليه، حتى وهو في حالة انحناء وارتماء يبقى الصخب والصراخ مطالبين المتادور وبعض رفاقه بالإجهاز عليه، حتى يقع على الأرض ثم يجرونه الى مصيره المحاط بالسكاكين .
وتعجبت من الكاتب الأمريكي “آرنست همنغواي” الذي كان يتمتع برؤية مصارعة الثيران، وقد كان يتأمل حياة مصارعي الثيران بدقة، وصف أشكالهم ولباسهم وخوفهم وطموحاتهم وانتظارهم للموت بين قرني الثور، كتب العديد من القصص عنهم متحدياً صديقه الرسام الاسباني “بيكاسو”، الذي جعل من الثيران لغته الفنية ، حيث زرع ريشته فوق اللوحات التي تؤكد أن دماء الثيران تشعل الحياة في الشارع الاسباني وان طعنة الثور ثم قتله ليست خيانة للثور المسكين، بل هي حياة للشعب الذي ينتظر الفرح والصراخ عالياً..
كنت أتعجب من “آرنست همنغواي”.. كيف لم يقف شامخاً متحدياً ثور الظروف وقبل أن ينتحر برصاصة بدلاً من رفسة ثور أو أحد القرون تبقر بطنه، بدلاً من الموت وحيداً بشهقة معدنية دون تصفيق !!.
وبعيداً عن ثيران الترف الاسباني وصور همنغواي وبيكاسو، نظل قريباً من الثيران الهائجة في حكومة نتنياهو التي لا نعرف الى اين ستصل عنصريتهم وحقدهم وكرههم للشعب الفلسطيني، وهل التاريخ سيضيف الى صور الثيران صوراً لهؤلاء؟!
من المهم التنويه أن موقعنا يلتزم بالبند 27 أ من قانون الملكية الفكرية (סעיף 27א לחוק זכויות היוצרים). ويبذل قصارى جهده لتحديد أصحاب الحقوق في المواد المختلفة المنشورة لديه. وفي حال كانت لديكم اية ملاحظات تتعلق بحقوق الملكية، فيرجى الاتصال بنا للتوقف عن استخدامها عبر الخاص في هذه الصفحة او على ايميل: almasar@gmail.com