ب. محمد امارة: الانتماء.. تعلمته من خبز أمي!

** ” أحنُّ إلى خبز أمي، وقهوة أمي، ولمسة أمي” (محمود درويش)، علمتني الأيام أن خبز أمي ليس طعامًا… بل هوية.
🪶 خبز أمي
ما زلت أذكر رائحة الخبز المنبعثة من تنور أمي، في الصباح الباكر. لا أعرف لماذا دائما ربطت رائحة الخبز برائحة المطر في الشتاء. وعندما أشم رائحة الخبز الطازج المنبعث من التنور، تعاودني هذه الذكريات. ربطت الخبز بأمي، وبأمي الأرض.
أه، كانت تلك الرائحة تسبق الشمس إلى قلبي، وتسبق المدرسة إلى وجداني. لم تكن أمي تخبز فقط… كانت تغزل هويةً بين يديها، نمّت فيّ من أنا وما أصبحت أنا عليه. أتصدقون أن رائحة خبز أمي ما زالت حاضرة في ّرغم مرور عقود على ذلك؟
نعم، كل رغيف صنعناه وأكلناه كان يحمل قصة: عن الأرض، عن التعب، عن الكرامة، عن النساء اللواتي لا يتحدثن كثيرًا، لكنهن يُربّين أجيالا وأمة بالمحبة، بالبساطة، بالصبر والعجين.
في مطبخ أمي المتواضع، تعلمت أن الانتماء ليس شعارًا نعلّقه على الجدران، بل رائحة تسكن فينا، تشكلنا على من نحن عليه، وتعود بنا إلى من نحن حين نتيه في غياهب الزمان.
لم تعلمني أمي دروسًا في الوطنية، ولربما لم تعرف المصطلح، لكنها كانت إذا عجنت وخبزت، أطعمتنا حبّ الأرض بلا خطابات وبلا شعارات، وزرعت فينا الوفاء، والمحبة، والكرامة، والشهامة بلا كلام؛ صمت أبلغ من الكلام.
كان الخبز الساخن يُقدَّم على طاولةٍ من قماش بسيط ومطرز، تحمله يدٌ أنهكها العمل، لكن كريمة، وتقول: “كلوا يا أبنائي… واذكروا أن هذا من عرقنا، ومن ـأمكم الأرض واشكروا الخالق على نعمه، ومن لا يقدر النعمة يفقدها”
ومنذ ذلك اليوم، عرفتُ أن الكرامة لا تُشترى ولا تُباع، بل تُعجن وتُخبَز. وتعلمت أن من لا يصون النعمة يفقدها.
رحمة الله عليكِ يا أمي، ثلاثون عامًا ونيف مضت وما زال طيفك يرافقني، وحنين قلبي إليك يزداد كل يوم. أشتاق إلى صوتك، إلى حضنك، إلى دعائك الذي كان يفتح أبواب الخير في وجهي، وأسأل الله أن يجعل قبرك نورًا ورحمة ومسكًا يفوح برضا الرحمن. فوالله لا يمر يوم إلا وتَمرّين في ذهني ودعائي، وستبقين يا أمي أجمل ما عرف قلبي وأغلى ما فقدت روحي.

من المهم التنويه أن موقعنا يلتزم بالبند 27 أ من قانون الملكية الفكرية (סעיף 27א לחוק זכויות היוצרים). ويبذل قصارى جهده لتحديد أصحاب الحقوق في المواد المختلفة المنشورة لديه. وفي حال كانت لديكم اية ملاحظات تتعلق بحقوق الملكية، فيرجى الاتصال بنا للتوقف عن استخدامها عبر الخاص في هذه الصفحة او على ايميل: almasar@gmail.com

زر الذهاب إلى الأعلى