نادية كيوان: ما بين قلب يحتضن وعقل يتأنّى!

هناك لحظات في الحياة لا تُقاس بالوقت، بل بمدى قدرتك على أن تكون أكبر من الموقف.
لحظات تُختبر فيها روحك: هل ستندفع مع الموجة حتى تغرق، أم ستثبت كالصخرة وتدعها تنكسر عند قدميك؟
بين القلب الذي يعرف كيف يفتح ذراعيه، والعقل الذي يعرف كيف يختار كلماته، تكمن أعظم صور النضج الإنساني.
أن ترى الغضب أمامك ولا تعكسه، أن تسمع الصوت المرتجف خلف الحدة، أن تشعر بما لم يُقل… هذه موهبة الروح الناضجة.
أن تقترب من الآخر في لحظة انكساره، فتمنحه مساحة آمنة، لا لتغيّر ما جرى، بل لتجعله يرى نفسه بعيون أهدأ وأصدق.
أن تمسك الكلمة قبل أن تنفلت، وتزنها في قلبك قبل أن تضعها في قلب غيرك، أن تدرك أن الصمت أحيانًا يرمم أكثر مما يهدمه الكلام.
وكما قلتُ في كتابي: “أنا لا أتنازل عن حقي، لكنني أختار كيف ومتى أمارسه، لأن الحكمة أحيانًا في التوقيت، لا في رفع الصوت.”
في الحب، هي لحظة تضع فيها يدك على كتف من تحب لتخبره بلا كلمات أنك هنا، أن قلبك ظلّه حين تشتد الشمس، وأنك تعرف أن العتاب يمكن أن ينتظر، أما الدفء فلا يؤجَّل. وفي التربية، هي النظرة التي تقول للطفل: “أخطأت، لكنك ما زلت غاليًا”، هي اليد التي ترفع لا لتضرب، بل لتربّت.
وفي الصداقة، هي القدرة على أن تسمع الحكاية بين السطور، وأن تفهم المعنى بين فواصل الصمت.
“أحيانًا لا يحتاج الإنسان إلى من يقوّمه، بقدر حاجته إلى من يقيمه بين ذراعيه.”
وأمام الاستفزاز، هي الخطوة التي تختار بها طريقك بدل أن تتوقف لترد على من أراد تعطيلك.
كما كتبتُ ذات مرة: “أكبر انتصار هو أن أتركك تراجع نفسك، دون أن أجرحك بكلمة.”
ما بين قلب يعرف متى يقترب، وعقل يعرف متى يصمت، تنجو العلاقات من الانكسار، وتبقى الروح أعلى من لحظة الغضب، وأكبر من أي كلمة كانت قادرة أن تُقال. هناك، في هذه المسافة النقية، يكمن السلام الذي لا يعرفه إلا من عاشه.
“في المسافة بين القلب والعقل… يولد السلام الذي لا تهزه العواصف.”
** الاقتباسات من كتاب الكاتبة: “همسات في منتصف الوعي”