د. دلال صائب عريقات: بين التهويد وحلم الدولة.. قراءة في مشروع E1

إن خطورة مشروع E1 تكمن في أنه لا يترك مكانًا حتى للوهم. فمنذ اتفاق أوسلو، عاش الفلسطينيون على أمل أن “المفاوضات” ستفضي إلى دولة مستقلة. ومع كل توسع استيطاني، كان يُقال إن الحل ما زال ممكنًا. لكن مع تنفيذ هذا المشروع، تتحول الضفة الغربية إلى جزر مقطعة، لا رابط بينها سوى ممرات اصطناعية تحت السيطرة الإسرائيلية.

هكذا، يتلاشى مفهوم الدولة الفلسطينية ذات التواصل او السيادة، ويتحوّل إلى مجرد خرائط قد تُعرض في قاعات التفاوض أو تُعلق على الجدران كوثيقة تاريخية. إن ما يُرسم اليوم على الأرض ليس مستقبلًا سياسيًا، بل ذاكرة جغرافية تُدفن تدريجيًا.

في مواجهة هذا الواقع، يبرز سؤال جوهري: ما معنى الواقعية السياسية بالنسبة للفلسطينيين؟ إن كانت الواقعية تعني الاعتراف بالحقائق المفروضة بالقوة، فهي لا تساوي سوى استسلام صامت. أما إن كانت تعني البحث عن أدوات جديدة لمقاومة هذا المسار، فهي مدخل لتجديد المشروع الوطني الفلسطيني.

الخيارات هنا متعددة: تفعيل المسار القانوني الدولي بجدية أكبر، وعدم الاكتفاء بالبيانات؛ توحيد الصف الفلسطيني على رؤية استراتيجية تُدرك المفارقة بين مفاهيم الدولة والسيادة في ظل المعطيات الحالية وتعيد تعريف الهدف الوطني؛ وتوسيع العمل الدبلوماسي وفق خارطة وخطة مدروسة.

في النهاية، تبقى القدس هي بوصلة كل ما يجري. فهي ليست مجرد مدينة على الخريطة، بل قلب الهوية الوطنية الفلسطينية ورمز القضية أمام العالم. مشروع E1 ليس إلا فصلًا جديدًا في معركة طويلة لطمس هذه الهوية. لكن كل تجربة تهويد سابقة أثبتت أن القدس تقاوم، وأن الذاكرة الفلسطينية لا تُمحى بقرارات هندسية ولا بخطط استيطانية. إن أخطر ما يواجه الفلسطينيين اليوم ليس فقط المخطط الإسرائيلي، بل أيضًا خطر الاعتياد عليه. فحين يصبح التهويد خبرًا عابرًا، والاستيطان واقعًا مقبولًا، يتحول حلم الدولة إلى مجرد حكاية تُروى للأجيال القادمة. لهذا، فإن مواجهة مشروع E1 ليست شأنًا جغرافيًا فحسب، بل معركة على معنى المستقبل الفلسطيني كله: دولة حرة متصلة وحية، أو خرائط ممزقة في كتب التاريخ.

لم يعد ما يجري في الضفة الغربية مجرد توسع استيطاني متكرر، بل بات عملية هندسية سياسية متكاملة ترسم حدودًا جديدة بالقوة وتعيد تشكيل الخريطة الفلسطينية. ففي آب/ أغسطس 2025، صادقت إسرائيل رسميًا على مشروع E1، الذي يُعد أخطر ما وُضع على طاولة الاستيطان منذ عقود بحيث يقطع الضفة الغربية إلى جزر معزولة، ويغلق الباب أمام أي أفق لدولة فلسطينية ذات سيادة ومعنى.

يهدف المشروع لإغلاق بوابة القدس الشرقية ويقوم لى بناء 3,400 وحدة استيطانية بين القدس الشرقية ومستوطنة “معاليه أدوميم”، في منطقة محورية تُعد الرئة الجغرافية بين شمال الضفة وجنوبها. النتيجة المباشرة أن رام الله لن تتمكن من الوصول إلى بيت لحم، ما يلغي التواصل الجغرافي الفلسطيني. وفي قلب هذه المعادلة، تبقى خطط E2حيث قف الخان الأحمر كبقعة مقاومة صغيرة يهددها التهجير القسري، لأنه العقبة الأخيرة أمام اكتمال هذا الحزام الاستيطاني.

ما يجري هنا ليس مجرد إسكان مستوطنين جدد، بل هندسة جغرافية متعمدة: فصل كامل للقدس عن الضفة وفصل آخر لشمال الضفة عن جنوبها، تقطيع الضفة إلى كانتونات صغيرة محاطة بالمستوطنات والطرق الالتفافية، بحيث تصبح أي فكرة لدولة فلسطينية متواصلة جغرافيًا مجرد وهم.

لا يمكن قراءة مشروع E1 بمعزل عن القدس. فالمدينة، التي يفترض أن تكون عاصمة الدولة الفلسطينية، يجري سلخها تدريجيًا عن محيطها الطبيعي. الطوق الاستيطاني الذي يربطها بـ”معاليه أدوميم” من جهة، وبـ”غوش عتصيون” من جهة أخرى، يعيد تعريف القدس كمدينة إسرائيلية كبرى دون هوية فلسطينية. هذا التهويد ليس رمزيًا فقط، بل عمليًا: فالقدس الشرقية تُحاصر من جميع الجهات، والقرى الفلسطينية المحيطة بها –من العيسوية والعيزرية إلى أبو ديس– تُدفع إلى الانكماش.

ردود الفعل الدولية جاءت متوقعة: بيانات أوروبية تُحذر من “انتهاك صارخ للقانون الدولي”، ومناشدات أممية بوقف الاستيطان. لكن هذه الأصوات لا تتجاوز التنديد اللفظي. الأهم أن واشنطن منذ الاعتراف بالقدس كعاصمة لـ”إسرائيل” في ولاية ترامب الأولى قدمت كل التسهيلات والصمت اللازم لتهويد المدينة.

إن خطورة مشروع E1 تكمن في أنه لا يترك مكانًا حتى للوهم. فمنذ اتفاق أوسلو، عاش الفلسطينيون على أمل أن “المفاوضات” ستفضي إلى دولة مستقلة. ومع كل توسع استيطاني، كان يُقال إن الحل ما زال ممكنًا. لكن مع تنفيذ هذا المشروع، تتحول الضفة الغربية إلى جزر مقطعة، لا رابط بينها سوى ممرات اصطناعية تحت السيطرة الإسرائيلية.

هكذا، يتلاشى مفهوم الدولة الفلسطينية ذات التواصل أو السيادة، ويتحوّل إلى مجرد خرائط قد تُعرض في قاعات التفاوض أو تُعلق على الجدران كوثيقة تاريخية. إن ما يُرسم اليوم على الأرض ليس مستقبلًا سياسيًا، بل ذاكرة جغرافية تُدفن تدريجيًا.

في مواجهة هذا الواقع، يبرز سؤال جوهري: ما معنى الواقعية السياسية بالنسبة للفلسطينيين؟ إن كانت الواقعية تعني الاعتراف بالحقائق المفروضة بالقوة، فهي لا تساوي سوى استسلام صامت. أما إن كانت تعني البحث عن أدوات جديدة لمقاومة هذا المسار، فهي مدخل لتجديد المشروع الوطني الفلسطيني.

الخيارات هنا متعددة: تفعيل المسار القانوني الدولي بجدية أكبر، وعدم الاكتفاء بالبيانات؛ توحيد الصف الفلسطيني على رؤية استراتيجية تُدرك المفارقة بين مفاهيم الدولة والسيادة في ظل المعطيات الحالية وتعيد تعريف الهدف الوطني؛ وتوسيع العمل الدبلوماسي وفق خارطة وخطة مدروسة.

في النهاية، تبقى القدس هي بوصلة كل ما يجري. فهي ليست مجرد مدينة على الخريطة، بل قلب الهوية الوطنية الفلسطينية ورمز القضية أمام العالم. مشروع E1 ليس إلا فصلًا جديدًا في معركة طويلة لطمس هذه الهوية. لكن كل تجربة تهويد سابقة أثبتت أن القدس تقاوم، وأن الذاكرة الفلسطينية لا تُمحى بقرارات هندسية ولا بخطط استيطانية. إن أخطر ما يواجه الفلسطينيين اليوم ليس فقط المخطط الإسرائيلي، بل أيضًا خطر الاعتياد عليه. فحين يصبح التهويد خبرًا عابرًا، والاستيطان واقعًا مقبولًا، يتحول حلم الدولة إلى مجرد حكاية تُروى للأجيال القادمة. لهذا، فإن مواجهة مشروع E1 ليست شأنًا جغرافيًا فحسب، بل معركة على معنى المستقبل الفلسطيني كله: دولة حرة متصلة وحية، أو خرائط ممزقة في كتب التاريخ.

 

من المهم التنويه أن موقعنا يلتزم بالبند 27 أ من قانون الملكية الفكرية (סעיף 27א לחוק זכויות היוצרים). ويبذل قصارى جهده لتحديد أصحاب الحقوق في المواد المختلفة المنشورة لديه. وفي حال كانت لديكم اية ملاحظات تتعلق بحقوق الملكية، فيرجى الاتصال بنا للتوقف عن استخدامها عبر الخاص في هذه الصفحة او على ايميل: almasar@gmail.com

زر الذهاب إلى الأعلى