ناجي ظاهر: احمد حسين في ذكراه الثامنة

عاش الكاتب الشاعر احمد حسين ابن قرية مصمص، المتوفى يوم الاربعاء ٢٣-٨ـ٢٠١٧، عن عمر ناهز ال 78 عاما، عاش حياته متنقلا بين الظل والشمس، فقد مكث جل حياته في الظل، وبعضها في شمس الاحباء الذين احبوه واحبوا عطاءه الادبي فاغدقوا عليه.. بالضبط مثلما ضن عليه من عرفوه فتجاهلوه.. او لم يعرفوه الا قليلا.
في ذكراه الثامنة التي تصادف اليوم السبت، استعرض علاقتي به، فقد التقينا في اكثر من صحيفة ونشاط ادبي واذكر ان مكاتب اكثر من صحيفة جمعتنا معا، مثل صحيفتي “الميدان” التي كان يصدرها ابناء البلد وعملت محررا ادبيا فيها، وصحيفة “الصنارة” التي شغلت فيها نفس الموقع الذي شغلته في صحيفة “الميدان” وقبلها “الراية”، كما جمعتنا مكاتب جمعية “الصوت” الثقافية التي كان يرأسها طيب الذكر المناضل المرحوم منصور كردوش، وجمعنا اكثر من مجلس بمعية العديد من الكتاب والادباء اذكر منهم كلا من: نواف عبد حسن، ابن بلدته مصمص في وادي عارة- المثلث.. وكان مقرب منه حتى اليوم الاخير له على هذه الارض، سميح القاسم، طه محمد علي وغيرهم من الاحباء الادباء والشعراء. واذكر ان الصديق المرحوم نواف عبد حسن حاول ان يجمع بيننا، هو وانا، في عمل ادبي سياسي، الا انه لم يفلح لسبب ليس الوقت مناسبا لطرحه ومناقشته. لم تكن علاقتي به قوية وان كانت عميقة.. فقد كان يجمعنا، نحن الاثنين، الم واحد.. وحلم واحد. لقد عرفت احمد حسين جيدا جدا، لهذا اعتقد انه بإمكاني ان اقدم شهادة منصفة بحقه، شهادة واقعية تنأى عن التجاهل الذي طبقه عليه الكثيرون ممن عرفوه جيدا، كما تنأى عن هالة التقديس التي جاد بها عليه قلة من المعجبين والمؤيدين لفكره وتوجهه السياسي الوطني.
شيء عن حياته
ولد أحمد حسين اغبارية، في مدينة حيفا، عام 1939، وفي عام النكبة 1948 هُجرت عائلته من حيفا وعادت إلى أم الفحم وبعد ذلك توجهت الى قرية مصمص، واستقرت فيها. اتم دراسته الابتدائية في حيفا وام الفحم والثانوية في الناصرة، وواصل دراسته الجامعية مدة ثلاث سنوات في موضوعي التربية وعلم النفس. بين عامي 1960 و1990 عمل مدرسا، وقد بدأ الكتابة في مرحلة دراسته الثانوية ونشر شيئا من نتاجه الادبي في الصحافة التي كانت تصدر في حينها، ويشار انه عمل محررا في عدد من مجلات وصحف تلك الفترة، نشير منها الى: “الفجر”، التي حررها في فترة اخرى اخوه الشاعر المعروف راشد حسين و” المرصاد” ومجلة” المصور”.
في سنواته الاخيرة في الحياة شهدت صحته اعتلالا، ساهم في ابتعاده عن الحياة الادبية، التي فضل الابتعاد عنها جل حياته طوعا، وقد بقي يكتب وينتج حتى يومه الاخير، على ما اعرف، وبقي منتجا مدققا الى ان توقف نبضه في يومه الاخير رحمه الله واسكنه فسيح جنته.

انتاجه الادبي
كتب احمد حسين الشعر والقصة، للكبار والصغار، اضافة الى المقالة السياسية والادبية، وكان كاتبًا سجاليًا من طراز رفيع، كما سنرى لاحقا، وقد صدر له في الشعر: 1- زمن الخوف. 1977 2- ترنيمة الرب المنتظر. 1978. 3- عنات- أو الخروج من الزمن الهجري. 1983. (رواية شعرية تستحق التوقف عندها والتأمل طويلا) 4- بالحزن أفرح من جديد. 1983. 5- قراءات في ساحة الإعدام. 2004. 6- الزناطيم. 2011. (قصائد مطولة ساخطة) • كما صدر له في النثر : 7- الوجه والعجيزة.1979. (قصص قصيرة) 8- رسالة في ا لرفض.2003. (مقالات في المرحلة والانسان). 9- رسائل على زجاج النافذة الى محمود درويش. 2012. 10- سياقات وقصص أخرى.. قصص قصيرة2013- 11- السفينة والطائرة. 2004. وصدر له في مجال قصص الاطفال: 12- العروسان هو وهي. 2006. (قصة للأطفال). 13- خادم الدجاج. 2006. (قصة للأطفال). 14- عصفورتان. 2010. (قصة للأطفال). 15- خليل وجليل. د. ت. (قصة للأطفال). 16- أركاد وعيون. د.ت. (قصة للأطفال).
تتصف مؤلفات احمد حسين، في مجالاتها المختلفة، سواء في الشعر او في النثر الادبي، بأنها كتابات جادة، ذات رؤية واضحة، كما اشار صديقه وصديقي الكاتب المرحوم نواف عبد حسن، في مقدمته لكتابه النثري” رسالة في الرفض”، وبإمكان من يطلع على هذه المؤلفات ان يلمس عمقها السياسي الجارح اولا، وتجليها الانساني ثانيًا. لقد نشر احمد حسين اجمل ما ابدعه من قصص قصيرة في مجلة “الجديد” إبان تحرير الشاعر الصديق المرحوم سميح القاسم لها، وتم نشرها تحت اسم مستعار هو احمد ناظم(!!)، لتصدر فيما بعد، عن “منشورات الصوت” الثقافية في الناصرة، تحت عنوان” الوجه والعجيزة”، وقد ضمت هذه المجموعة قصصا ذات نكهة سياسية انسانية لم يخلُ بعضُها من نغمة آسية وساخرة في الآن ذاته، وسوف يتذكر من قرأوا هذه المجموعة قصة طريفة عن مدينة حيفا، بكى فيها طالب لأن زميلا له قال، خلال لعبة كلامية مشتركة، ان العالم اكبر من حيفا!!
اما في مجال الشعر فقد اتصفت مؤلفات احمد حسين، بصورة عامة بعمق سياسي حافل بالسخرية المرة، اضافة الى افق فلسطيني عميق الغور، واشير في هذا المجال إلى قصيدتيه المعروفتين في رثاء أخيه المرحوم راشد حسين، وقصيدة ” الزناطيم”. ومما اود الاشارة اليه ان احمد حسين رغم العقلية الابداعية التي شهد له بها كثيرون من اهل الادب ومحبيه، لم ينج من التأثر بشعراء اخرين، خاصة في بداياته الألى، واذكر في هذا المجال واقعتين احداهما يوم تيسر لي الاطلاع على احد مجلدات صحيفة ” الفجر”، ولاحظت انه تأثر في كل ما كتبه ونشره في حينها، كل على حدة بالطبع،.. بهذا الشاعر او ذاك، فمن التأثر بصلاح عبد الصبو الى التأثر بأحمد عبد المعطي حجازي ومن التأثر بالجواهري الى التأثر بالسياب. اما تأثره الواضح فقد برز في تتبعه لخطى نزار قباني.. رغم رفضه القاطع عندما اطلعته على رايي. الواقعة الثانية كانت بعد ان نشر محمود درويش قصيدته المشهورة عن حصار بيروت، فكتب قصيدة تشبهها جدا، وعندما سألني عن ريي اجبته انه من الافضل الا يتتبع خطى درويش وسواه، فجن جنونه.. رحمه الله.
شخصية ناقدة
كان احمد حسين شخصية ناقدة، كما كان يفصل بين رأيه الادبي ورأيه الشخصي خاصة فيمن ربطته بهم اواصر مودة من اخوانه الكتاب والادباء، واقر في هذه المناسبة انه كان محقا، مع التحفظ الشديد على ما اتصف به من عدوانية، اعتقد ان عدم اخذه موقعه الادبي اللائق به من وجهة نظره دفع به اليه دفعا. فهو لم يوفر احدا ممن عرفهم عن قرب واعتقد انه احبهم ايضا، من سهام نقده، فمن نقده للشاعر سميح القاسم، لأنه اخذ مقابل استعارة مؤلفاته من جهة وزارية حكومية، تحت عنوان “الفضيحة”، الى نقده لطه محمد علي، لأنه انتقل من التغني بإحدى شخصياته الشعرية كونه لو رأى بحارة الانتربرايز(الامريكان) لدعاهم لمشاركته تناول اللبنة والبيض المقلي، الى نفس الشخصية واصفا اياها بالعنف، وقد فسر احمد انتقال طه هذا بانه سعى وراء ارضاء جهة سياسية احب التقرب منها لمصلحة شخصية. واشير بنوع ما من الخفر انني اشرت الى هذا التضارب في موقف طه ضمن مقالة سبق وضمنتها خبرا صحفيا، نشرته في صحيفة “الميدان” التي كنت احرر الصفحة الادبية فيها.. كما سبق وذكرت.
لقد هاجم احمد حسين ووجه سهام نقده الى كل من اخطأ وفق رأيه وما ارتآه حقا، وطالت سهامه النارية، اضافة الى من ذكرت، كلا من عزمي بشارة ومحمود درويش ايضا.
لماذا لم يشتهر احمد؟
في امسية ثقافية عقدتها بالتعاون مع اصدقاء ادباء ومتأدبين في المركز الثقافي البلدي في مدينتي الناصرة، قال سميح القاسم اجابة عن سؤال مماثل وجهه اليه احد الحاضرين، إنه عُرف على نطاق واسع كشاعر، لأكثر من سبب.. وتوقف عند حالة التكرس التي نذر ضمنها حياته للشعر، فهل تسبب عدم تكرس احمد للأدب عامة والشعر خاصة، لان يقبع في ظل التجاهل الحارق لمبدع حقيقي مثله؟ ثم هل كونه عمل معلمًا محترفًا طوال ثلاثة عقود من عمره، هي زهرته المتفتحة المتشوفة، جعله مبدعا هاويا.. وابعده عن دائرة الاحتراف الذي يحتاج اليها كل من يريد ان يكون موجودا وقائما في عصرنا الراهن؟ اجيبوا انتم.
من المهم التنويه أن موقعنا يلتزم بالبند 27 أ من قانون الملكية الفكرية (סעיף 27א לחוק זכויות היוצרים). ويبذل قصارى جهده لتحديد أصحاب الحقوق في المواد المختلفة المنشورة لديه. وفي حال كانت لديكم اية ملاحظات تتعلق بحقوق الملكية، فيرجى الاتصال بنا للتوقف عن استخدامها عبر الخاص في هذه الصفحة او على ايميل: almasar@gmail.com