الموت يغيّب القاضي المتقاعد صبري محسن ابن قرية جت المثلث عن عمر يناهز 87 عامًا

جت – من محمد محسن وتد
نعت عائلة محسن في قرية جت المثلث وأقرباؤهم وأنسباؤهم في البلاد والخارج، تنعي بقلوبٍ صابرةٍ ومحتسبة ومؤمنةٍ بقضاء ِ الله وفاة قاضي محكمة الصلح المتقاعد الحاج صبري محسن – أبو سائد، عن عمر يناهز 87 عامًا. وقد تم تشييع جثمانه في الساعة العاشرة (10.00) من صباح الخميس، من بيته إلى مثواه الأخير.
ولد القاضي المتقاعد صبري محمد محسن في قرية جت المثلث بالعام 1938، ونشأ في كنف أسرة بسيطة. فقد والده في سن مبكرة، فشب يتيم الأب في ظروف حياتية قاسية، لكن ذلك لم يثنه عن مواصلة طريق العلم والمعرفة. منذ صغره عرف بالجد والاجتهاد، وبرزت لديه إرادة قوية لصناعة مستقبل مختلف رغم قلة الإمكانات.
بعد إنهاء دراسته الثانوية، اتجه صبري محسن إلى مهنة التعليم، ليبدأ مسيرته كمعلم في بلدته والمنطقة. في تلك السنوات، لم يكن مجرد ناقل للمعرفة، بل مرب ومرشدا ترك أثرا في نفوس طلابه. مثل التعليم بالنسبة له رسالة إنسانية قبل أن يكون وظيفة، حيث عمل على غرس القيم والانضباط في الأجيال الصاعدة.
جسدت حياته رحلة كفاح متواصلة، فقد بدأ طالبا أكاديميا يجمع بين العمل والدراسة وبناء الأسرة، متحديا صعوبات الحياة ومتحملا أعباءها حتى تمكن من الانتصار عليها.
كان من أوائل المحامين في المثلث، وتقلد العديد من المناصب، إلى جانب نشاطه البارز في العمل الوطني والسياسي والجماهيري، حيث كان من مؤسسي الحركة التقدمية للسلام.
رغم استقراره في مجال التدريس، ظل حلم دراسة القانون يرافقه، مدفوعا برغبته في خدمة الناس والدفاع عن حقوق المظلومين. فانتقل إلى دراسة الحقوق في جامعة تل أبيب، ثم خاض تجربة جديدة كمحام. من خلال مكتبه، مثل شريحة واسعة من أبناء المجتمع العربي، وعرف بمهنيته واستقامته وقدرته على خوض الملفات الصعبة بثقة وحكمة.
شكلت مهنة المحاماة جسرا نحو مرحلة أكثر تأثيرا في حياته، إذ التحق بالسلك القضائي ليتدرج في مناصبه حتى أصبح نائب رئيس محكمة الصلح في الخضيرة. وعلى مدار أكثر من 43 عاما في القضاء، اكتسب احترام زملائه والمتقاضين على حد سواء، وتميز بموازنة النص القانوني مع القيم الإنسانية، ليترك بصمة بارزة في مسيرة القضاء العربي داخل إسرائيل.
ورغم مكانته المهنية، ظل قريبا من الناس، متواضعا في سلوكه، متمسكا بعلاقاته الاجتماعية وتواصله مع مجتمعه. في قاعة المحكمة، عرف بحرصه على كرامة الإنسان ومصلحة الفرد، وباتزانه حين يتقاطع القانون مع المصلحة العامة، حيث لم يتردد في مساندة الضعفاء ووضع قضايا الناس في صدارة اهتماماته.
ورغم ما تعرض له من انتقادات عبر وسائل الإعلام الإسرائيلية بسبب بعض قراراته الجريئة، بقي صبري محسن وفيا لقناعته بأن العدالة الحقيقية لا تنفصل عن الإنصاف والرحمة واحترام الحرية الفردية، ليختتم مسيرته علامة فارقة في سجل القضاء.
من اليتم المبكر، مرورا بمهنة التدريس، وصولا إلى ساحات القضاء، جسّد القاضي صبري محسن مسيرة إنسانية ومهنية عنوانها الإرادة والمثابرة. وقد شكلت حياته نموذجا على أن التحديات مهما كانت قاسية يمكن أن تكون حافزا لتحقيق رسائل كبرى في خدمة المجتمع وصون العدالة. رحل وترك بصمات في كل مكان.
من المهم التنويه أن موقعنا يلتزم بالبند 27 أ من قانون الملكية الفكرية (סעיף 27א לחוק זכויות היוצרים). ويبذل قصارى جهده لتحديد أصحاب الحقوق في المواد المختلفة المنشورة لديه. وفي حال كانت لديكم اية ملاحظات تتعلق بحقوق الملكية، فيرجى الاتصال بنا للتوقف عن استخدامها عبر الخاص في هذه الصفحة او على ايميل: almasar@gmail.com