د. جهينة خطيب: وجع العلاقات الوقتية

 

تعلمت منذ طفولتي أن العلاقات الإنسانية صلة دائمة، تُبنى على الوفاء، وتُسقى بالثقة، وتُحفظ بالصدق. كبرت على فكرة أن الصديق يبقى صديقًا، وأن القريب يظل قريبًا، وأن من يطرق باب القلب لا يخرج منه بسهولة. غير أنّ الحياة سرعان ما كشفت لي وجهًا آخر؛ وجهًا قاسيًا يشي بأن العلاقات في زمننا لم تعد تُبنى على هذه القيم، بل على المصلحة وحدها.

تجربتي مع الناس أثبتت لي أن كثيرين يقتربون فقط حين يحتاجون إليك، يزيّنون حضورهم بالكلمات المعسولة، ثم يختفون عند أول منعطف تنتهي فيه حاجتهم.

هذه الحقيقة تؤلم أكثر لأنها ليست مجرد صدفة عابرة، بل باتت سمة متكررة في العلاقات حولنا. لحظتها، يقف القلب مذهولاً، يتساءل: هل أخطأت حين تمسكت ببراءة الوفاء؟ هل كنت ساذجة حين صدّقت أن العلاقات وُجدت لتبقى؟

ما يؤلمني ليس فقط الغياب المفاجئ، بل الزيف الذي يسبق الغياب؛ ذلك التمثيل الماهر الذي يجعلهم يبدون وكأنهم لا يريدون إلا الخير لنا. ثم ينسدل الستار سريعًا، لتنكشف الحقيقة المؤلمة: “لقد كانوا هنا لمصلحة عابرة، لا أكثر”!

كم أكره هذا المجتمع الزائف الذي يتقن صناعة الأقنعة أكثر من صناعة الصداقات، ويُجيد لغة المصالح أكثر من لغة القلوب. أشعر بالغربة وسط هذا الزحام البشري؛ غربة لا تعني الوحدة، بل عدم القدرة على التكيف مع واقع يستخفّ بالوفاء ويُقصي الصدق.

ومع ذلك، أعلم أن التمسك بالقيم ليس خطأ، بل هو ثبات على ما يجعلنا بشرًا بحق. ربما أعيش صراعًا داخليًا بين ما تربيت عليه وما أراه حولي، لكنني أفضّل أن أحيا بوفاء نادر، على أن أذوب في زيفٍ شائع. فالعلاقات التي تبقى رغم كل شيء، تلك التي لا تنتهي بانتهاء المصلحة، هي وحدها التي تمنح الروح معنى الانتماء والأمان.

 

من المهم التنويه أن موقعنا يلتزم بالبند 27 أ من قانون الملكية الفكرية (סעיף 27א לחוק זכויות היוצרים). ويبذل قصارى جهده لتحديد أصحاب الحقوق في المواد المختلفة المنشورة لديه. وفي حال كانت لديكم اية ملاحظات تتعلق بحقوق الملكية، فيرجى الاتصال بنا للتوقف عن استخدامها عبر الخاص في هذه الصفحة او على ايميل: almasar@gmail.com

زر الذهاب إلى الأعلى