شوقية عروق منصور: مفتاح الخيمة تحت الأرقام!

ينظر حوله بألم، تنسكب نظراته على الجدران والأثاث المتواضع، يحط أشواقه داخل كيس من النايلون ثم يسرع إلى الجدار ويقبله، يقف أمام الباب، سيخرج الآن ولا يعرف متى سيرجع إلى بيته؟! يُصر الرجل أن يغلق الباب المفتاح جيداً، للأمان أكثر.. صورة هزلية كوميدية في موسم النزوح والتشرد الوحشي.

حين تخون الدموع صاحبها فتنهمر، تشعر أن ظل التاريخ يطارد الزمن الفلسطيني، يركض خلفه وفي قبضته الصور والحكايات التي ما زالت تتنهد على ضفاف السنوات.

هنا غزة… حيث تتسلق وجوه وأكفان سكانها نشرات الأخبار التي تنقل تعب الحياة وعناق الموت المفاجئ الذي أصبح لا يحترم التوقيت ، بل كل لحظة تحمل الصراخ وصرخات الألم والفقدان.

لا أعرف أسم الرجل، ولكن أعرف ملامحه الحائرة والرعب القابع في عينيه، وهو يقول للمراسل الصحفي محدقاً بعدسة الكاميرا:

–  طلبوا منا النزوح… !! إلى أين..؟!  لا أعرف..!!

والنزوح كلمة – غزاوية – تحمل في طياتها الغوص في المجهول ، وصدى الهروب والجوع والاستسلام للخيام والأحزان والعيش على حافة الخوف.

ينظر الرجل خجلاً إلى الأرض، تساءلت بيني وبين نفسي لعله يعد درجات بيته لآخر مرة..!!  ولكن تبين أنه ينظر إلى مفتاح بيته، يفتح كف يده، يتأمل المفتاح الذي يعده سيبقى البيت واقفاً، وسيبقى شاهداً على العودة!

أنهى المراسل الصحفي اللقاء الخاطف مع الرجل، وذهب إلى غيره، لكن الرجل بقي محدقاً بأصابع يده التي تقبض على المفتاح كأنه يعد بين أصابعه وبين المفتاح ميثاقاً وعهداً.

ملاحظة: مفتاح البيت الفلسطيني المُهدّم والمُصادَر، والذي دخل الذاكرة بالثياب الرسمية للوجود، ليس تراثاً وصوراً تعلق، وليس أجنحة تحط على المنصات التراثية والتاريخية لكي يطير عبرها للأجيال الناشئة، بل أصبح المفتاح ظلاً لصفحات تاريخية تحمل تضاريس الزمن الاحتلالي.

الخيام والأرقام في غزة: لا نفتح الصناديق المحرمة حين نتكلم عن الخيام المنتشرة في غزة، الخيام التي مهما اختلفت أشكالها والوانها تبقى مثقلة بوجع العيش اليومي، تفوح من قماشها رائحة الغربة والخوف والجوع وترهل إنسانية الانسان الذي وجد نفسه في العراء، مشدوداً لخيمة مربوطة بحبال قد تطير أو تتمزق أو تحرق، المبكي حين يطالبونهم بالنزوح والابتعاد إلى مكان آخر، وعلى صاحب الخيمة أن يحمل خيمته إلى منطقة ثانية.. لا مجال هنا لكي يؤكد – الغزي – أن بطارية القدرة قد فرغت ولم يستطع التحرك.. بل عليه أن يقف ويفك خيمته ويحملها عشرات الكيلو مترات.. يموت بعدها.. أو يعيش لا يهم..!!  المهم أن يُنزع من أرضه إلى أرض أخرى.

في ظل النزوح.. هناك من يردد ارتفاع حاد في اسعار الخيمة – لقد وصلت إلى 3000 شيكل – أو سعر الخيمة 1500 دولار امريكي، وقد كانت سابقاً تتراوح بين 400 إلى 1000 دولار، حسب حالتها ومواصفاتها: الحجم، نوع القماش، البلد المصنّع ..الخ!

بصراحة.. لقد كنت أعتقد أن الخيام تقدم مجاناً من المؤسسات والجهات الدولية والإنسانية…!!

بعد انتهاء الحرب على غزة ستخرج  الصور والحكايات الكثيرة ، عدا عن الأسرار والتحقيقات والمطبات  السياسية والعسكرية ،  ستكون هناك تفاصيل إنسانية صغيرة ، التشبث بمفتاح البيت الذي قصف ، الزواج والانجاب على الطريقة الغزاوية أثناء الحرب  ، التصرفات والسلوكيات عند الذهاب للمرحاض  أو الاستحمام ، الإصرار على تعليم الصغار ،  تأليف فرق فنية أو راقصة بين الشباب ، كيفية الوقوف في الطابور للحصول على طعام ،  المساعدة في البحث والتفتيش بين الردم  آلاف الصور ستكون في حضرة التاريخ الذاهب إلى تقديم فواتير الحرب .

 

 

من المهم التنويه أن موقعنا يلتزم بالبند 27 أ من قانون الملكية الفكرية (סעיף 27א לחוק זכויות היוצרים). ويبذل قصارى جهده لتحديد أصحاب الحقوق في المواد المختلفة المنشورة لديه. وفي حال كانت لديكم اية ملاحظات تتعلق بحقوق الملكية، فيرجى الاتصال بنا للتوقف عن استخدامها عبر الخاص في هذه الصفحة او على ايميل: almasar@gmail.com

زر الذهاب إلى الأعلى