ب. ابراهيم طه: الكبسولة الثانية والأربعون (42).. أدب من قاع الواقع!

أدرّس منذ سنوات مساقًا متقدّمًا لطلبة الماجستير والدكتوراة عن جماليّات “التقليليّة في الأدب العربيّ” (Minimalism). أذكّر من نسي بأنّ العرب قد جعلوا كلامهم على ثلاثة أضرُب: الإيجاز والمساواة والإطناب. والعرب في ذاك الوقت، على عكس عرب اليوم، آثروا الإيجاز، سمّوه “جوامع الكَلِم” وجعلوه عماد البلاغة. عن هذا الموضوع كتبت كتابين واحدًا بالعربيّة والثاني بالإنجليزيّة وثلاثة مقالات بحثيّة أكاديميّة باللغتين.
مسوّغ الأدب هو قلّة الأدب. هذه قاعدة حداثيّة معروفة. أيام المدح والفخر ولّت. هذه أغراضٌ عتيقة قد زالت ودالت منذ زمن. لم يبقَ هناك من يستحقّ المدح، ولا هنا. ولم يعد من يجرؤ على المباهاة والمفاخرة. ولم يبقَ وقتٌ لا لغزلٍ عفيفٍ خفيف ولا لماجنٍ فاجر، لا هنا ولا هناك. مسوّغ الأدب هو قلّة الأدب. وقلّة الأدب التي نعنيها هي من جوامع الكَلِم تلمّ كلّ أمراض الأمّة وأوساخها وأدرانها وسقطاتها. وما أكثرها في الأعوام الأخيرة! أنظرُ حولي وأنصت إلى فحيح الأفاعي وحشرجات المهزومين ولا أصدّق ما أسمعه! من أين يأتون بكلّ هذه الكثرة من قلّة الحياء؟! من أيّ قاع يطلع كلّ هذا الذلّ والهوان؟! لم أجد في الحقيقة أليَقَ من هذه النصوص التقليليّة للتعبير عن قاع الواقع العربيّ وفداحته. خمسة نصوص تمثيليّة من ثقب الإبرة، هي غيضٌ من فيض. كلّها تفدر وتفزر فزرًا:
(1)
عبد – لنور الدين الهاشميّ:
[حين صفعه سيّده على وجهه لم يحزن لأنه فَقَد قطعةً من لسانه، ولم يحزن لأنّ الدمَ سال غزيرًا من شفتيه، بل حزن كثيرًا وتألّم لأنه لن يستطيع بعد الآن أن يقول: “يا سيّدي” بشكل صحيح].
قصّة مقلوبة تحكي عن واحد لن يقاوم لأنّ رأسه مقلوب، الرأس تحت والقدمان فوق.. قصّة نفذت من حدود الجاذبيّة الأرضيّة إلى ما بعد بعد الخيال!
————————————–
(2)
الضحك – لعبد اللطيف الزكري:
[ظلّ ينظر إلى البقرة الضاحكة في علبة الجبن، وهو يحسدها، كانت خواطره مضطربة لا تعرف الهدوء. وكلّ ما كان يتمنّاه أن يضحك مثل هذه البقرة].
قصّة بقريّة تحكي عن واحد لن يقاوم لأنه فقدَ تقويم صورته الآدميّة، فبات يجهل الفرق بينه وبين البقرة على العلبة والبقرة في العلبة والبقرة في المراعي!
—————————————-
(3)
لغة – لقاسم حدّاد:
[فعلٌ ناقصٌ
ونحاةُ الكوفة
يستبسلون]
قصيدة تفدر، تحكي عن شعب ناقص لن يقاوم لأنّ نصفه الأول يستبسل في نكران الفعل الناقص والقسم الثاني في الإصرار على نقصانه!
—————————————-
(4)
ماعدا… لعزّ الدين المناصرة:
[شعبٌ عظيمْ
بقياداتٍ تافهة
ما عَدا …
املأ الفراغ كما تشاء].
قصيدة قاتلة لعزّ الدين المناصرة تحكي عن شعب لن يقاوم لأنه مقتول بسيف القيادة. وسيف القيادة قاطع من حديد، وليس مقطوعًا من خشب! والحالة لا يصحّ فيها أيّ استثناء لا من الشعب ولا من القيادات!
——————————————
(5)
تصحيح – لنزار قبّاني:
[أنا لا أعلن الحرب
على جنس العرب..
وإنما أعلنها،
على عرب الجنس!]
قصيدة مثقوبة تحكي عن عرب لن يقاوموا لأنهم صاروا أنوَمَ من رضيع بعد أن خصاهم راعي البقر وفقدوا القدرة على الوقوف والانتصاب!
—————————————
وكيف سيقاوم كلّ هؤلاء: واحد رأسه محلّ قدميه وآخر بدّل صورته الآدميّة بالبقريّة وطائفتان تستبسلان في جبهات الفعل الناقص وشعب قتلته قيادته وشعوب بكاملها عن بكرة أبيها مخصيّة! كيف؟!

من المهم التنويه أن موقعنا يلتزم بالبند 27 أ من قانون الملكية الفكرية (סעיף 27א לחוק זכויות היוצרים). ويبذل قصارى جهده لتحديد أصحاب الحقوق في المواد المختلفة المنشورة لديه. وفي حال كانت لديكم اية ملاحظات تتعلق بحقوق الملكية، فيرجى الاتصال بنا للتوقف عن استخدامها عبر الخاص في هذه الصفحة او على ايميل: almasar@gmail.com

زر الذهاب إلى الأعلى