ب. احمد محمود اغبارية: نصّ في ذكرى القارئ الذي أَعْرَضَ عن الكتابة

هذا كلّ ما تركه لنا أحد المغمورين في ثقافتنا الفلسطينيّة المحلّيّة: بضع صور عفويّة، ونصوص منشورة يقلّ عددها عن أصابع الكفّ الواحد.
لكنّني إذ أبحث له عن شبيه، فليس إلّا سقراط؛ كلاهما نأى بنفسه عن الكتابة وتألّق من خلال الحوار، كلاهما ساخر حتّى العظم، كلاهما صاحب نكتة ودعابة، كلاهما غير مهادن، كلاهما استخفّ بالموت، كلاهما مثاليّ.
وهنا قد يفترقان، لأنّ مثاليّة سقراط غيبيّة وروحانيّة، بينما مثاليّة صاحبنا تنهض على قاعدة مادّيّة، فهي تبحث عن المطلق الجماليّ في المواقف الإنسانيّة المعاشة، وليس في واقع مسلوخ ومعلّق في الهواء..
مَنْ عرف هذا المثقّف المغمور حقّ معرفة سيدرك حجم الفقدان، إذ ذاك سيدرك أيضًا بأنّ أدبنا المحلّي، في قسم لا بأس به منه، هو ظاهرة إعلاميّة أكثر منه ظاهرة فنّيّة.
منذ حداثته، أحسّ فقيدنا أنّ الكتابة والنّشر، في السّياق المحلّيّ، ينطويان على تسويات قد تطال كرامة الكاتب، فعاش الأدب على طريقته؛ ألّف ما لم يدوّنه ودوّن ما لم ينشره، ولم ينزلق قطّ في حيثيّات النّشر التي كثيرًا ما كانت تأتي على حساب الحرّيّة الإبداعيّة، مثلما حدث مع عدد من مجايليه..
حين رقد في الغرفة البيضاء، ما كان يتحرّك قطّ، لكنّه كان يتعرّف على كلّ عائديه، يستقبلهم بإيماءة من رمش عينه، ويودّعهم بما تبقّى من خفقات في قلبه..
المثقّف، الصّديق والأخ العزيز، نوّاف عبد حسن (أبو العبد)، غادرنا إلى حيث هو الآن في مثل هذه الأيّام من عام 2003. لتكن ذكراه عطرة..
من المهم التنويه أن موقعنا يلتزم بالبند 27 أ من قانون الملكية الفكرية (סעיף 27א לחוק זכויות היוצרים). ويبذل قصارى جهده لتحديد أصحاب الحقوق في المواد المختلفة المنشورة لديه. وفي حال كانت لديكم اية ملاحظات تتعلق بحقوق الملكية، فيرجى الاتصال بنا للتوقف عن استخدامها عبر الخاص في هذه الصفحة او على ايميل: almasar@gmail.com