نجوان سمري: نزوح…!

أجريت لنفسي اليوم تدريبًا بسيطًا، أو خلته كذلك.

حددت مدة نصف ساعة كي أحزم أغلى الأشياء وأحوجها وأعزها على قلبي قبل أن أغادر بيتي.

تجولت فيه غرفة غرفة وزاوية زاوية وحجرًا حجرا، فتحت الخزائن والأدراج والذاكرة، تأملت محتواها ثم أغلقتها ثم فتحتها من جديد، تهت بين كل أشيائي فتركتها وخرجت إلى شرفة المنزل، سأبدأ من هنا..

نظرت إلى ورودي المتفتحة والنباتات الخضراء والنعنع وعشبة الزعتر البري التي أعطاني اياها أبي وما زالت تورق في كل موسم وكأنها تتنفس من روحه فاختنقت وتساءلت:

– هل يمكن أن أنقلها معي دون أن تذبل أو تموت؟

– هل يمكن اقتلاع النباتات من جذورها دون أن تذبل أو تموت؟ مثلي؟

عدت كالتائهة إلى غرفتي، سآخذ وسادتي، وبعضًا من ملابسي، لكن أيًا منها؟ الصيفية أم الشتوية؟ الرسمية أم العملية؟ ماذا عن فساتيني وأثوابي المطرزة؟ أحب كثيرًا ما تذكرني به، لكن حمل الذاكرة ثقيل.. ثقيل جدًا.

وضعت حذاءً مريحًا لسير طويل، وحذاءً آخر لاستبداله إذا ما مزقه الوقت والطريق، سآخذ أيضًا أدويتي ومستحضرات التجميل والكريمات والشامبوهات والمناشف وجزءًا من أدوات المطبخ، وصورنا العائلية ولوحات نكبتنا المعلقة والمتعلقة بجدران بيتنا.. لكن كيف سأحملها في طرق المجهول؟ وكيف لي أن أرتبها في منزل من ورق؟

في لحظة، تحولت أغراضي ومحتويات بيتي وحجارته إلى قطع من لوحة بازل لا تكتمل دون أي منها، فعجزت عن المفاضلة بين قطعة وأخرى، وقد بدت جميعها ضرورية لاستمرارية أنفاسي المتبقية، فكيف نترك الأشياء التي نحبها؟ كيف نترك البيت ونحن على يقين أننا قد لا نعود إليه، وإن عدنا فربما لا تدلنا طرق الركام عليه… فهل يمكن للبيوت أن تنزح معنا؟

شارف الوقت على الانتهاء وأنا أصارع بين عقلي وقلبي وروحي المفتتة في حقائبي، فجأة سمعت صوت طفلتي تقول وهي تبكي: “بدي آخد معي كل ألعابي”.. فتسمرت، وتذكرت.. كيف أحزم أمومتي.. يا الله؟!

من المهم التنويه أن موقعنا يلتزم بالبند 27 أ من قانون الملكية الفكرية (סעיף 27א לחוק זכויות היוצרים). ويبذل قصارى جهده لتحديد أصحاب الحقوق في المواد المختلفة المنشورة لديه. وفي حال كانت لديكم اية ملاحظات تتعلق بحقوق الملكية، فيرجى الاتصال بنا للتوقف عن استخدامها عبر الخاص في هذه الصفحة او على ايميل: almasar@gmail.com

زر الذهاب إلى الأعلى