سهاد كبها: 7 اكتوبر.. دروس وعبر!

بصفتي انني عملت على تقيم التجربة الوطنية الفلسطينية والمحطات المفصلية للفلسطينيين على مدى السنوات الماضية، ومن خلال مقابلاتي مع سياسيين وأكاديميين ونشطاء في الوطن والشتات مع أشخاص شهدوا التجربة وكان لهم دور فيها وأخرون من خارجها، ومع اقتراب الذكرى السنوية الثانية لأحداث 7 أكتوبر، وبالرغم من ان هذه المرحلة لم تنتهِ بعد، الا ان الصورة اليوم تبدو أكثر وضوحا مما يتيح تقديم قراءة متعمقة لهذه المحطة المفصلية.

يتضح أن احداث 7 أكتوبر لم تكن مجرد مواجهة عسكرية، بل درس استراتيجي فلسطيني، اذ شكلت محطة مفصلية ومنعطفا تاريخيا في الصراع الفلسطيني الاسرائيلي.

عشرات الاف الشهداء، بينهم آلاف الأطفال، ومئات الآلاف من الجرحى والمصابين بإعاقات دائمة، وملايين المشردين في مشهد يختزل حجم الكارثة.

الحرب التي بدأت تحت شعار الأمن تحولت إلى وصمة أخلاقية وسياسية لإسرائيل، لتتحول الى جرحا عميقا في الوعي الإنساني العالمي .

خلال السنتين تغيّرت موازين كثيرة فالمجتمع الدولي لم يعد يتجاهل القضية الفلسطينية، بل شهدنا دولا أوروبية عديده مثل إسبانيا، النرويج، إيرلندا استراليا بريطانيا , كندا البرتغال تعترف رسميا بدولة فلسطين، وهناك توقع خطوات مشابهة من دول أخرى

من ابرز نتائج 7 أكتوبر هو الاعتراف الدولي بدولة فلسطين ، بعدما تبين أن التضامن وحده غير كاف .

الخسائر الإنسانية الكبيرة فتحت نقاشا عالميا حول ضرورة الانتقال إلى خطوات سياسية ملموسة، وفي هذا السياق يبرز الاعتراف البريطاني كأكثر الاعترافات رمزية، بحكم الدور التاريخي لبريطانيا في القضية الفلسطينية والتي أعطت وعد بلفور .

محطة 7 أكتوبر حولت القضية الفلسطينية الى قضيه سياسيه وأخلاقية عالميه ستبقى تؤثر على مسار الصراع ومستقبل المنطقة.

نتيجة لذلك يفتح الباب أمام واقع سياسي جديد، يعيد الاعتبار لحقوق الشعب الفلسطيني، ويضع إسرائيل في عزلة متزايدة ودفها ثمن سياسي وحقوقي كبير.

القراءة المتعمقة للمشهد تظهر أن المقاومة الفلسطينية نجحت بشكل أو باخر في تحقيق هدفها الاستراتيجي ليس هزيمة إسرائيل العسكرية بل عزلتها الدولية وإرغامها على دفع ثمن سياسي وحقوقي كبير.

هذا العزل الذي لم يعد شعارات، بل بدأ يتحول إلى خطوات عملية اعترافات رسمية من دول مهمة ودعم أممي متزايد.

هذه الاعترافات الرسمية بدولة فلسطين تربك إسرائيل من الناحية الاستراتيجية، لأنها تضعف مواقفها في المحافل الدولية، وتزيد الضغوط عليها لوقف السياسات التي ينظر إليها على أنها انتهاك وحتى الان ما زالت تظهر المقاومة قدرات استثنائية ويكشف هشاشة إسرائيل واستحالة تحقيقها النصر.

حماس، التنظيم الشبكي يواصل العمل رغم اغتيال قياداتها، وتظهر قيادات جديدة باستمرار، صمود للمقاومة يجعل كل يوم يمر اسرائيل اكثر ارهاقا، وكل اغتيال لقيادة جديده لا يوقف الحركة عن تحقيق اهدافها.

عقيدة حركة حماس تستبعد فكرة القاء السلاح , فالمقاومة مستمرة بطريقة استراتيجية ومنظمة.وكل محاولة لإسرائيل لضرب هنا او هناك تزيد من عزلة اسرائيل على الصعيد الدولي.

محطة 7 اكتوبر اثبتت للفلسطينيين ان الصمود والاصرار قادران على اعادة ترتيب المعادلات، وتوضح ان التنظيم الذكي والصمود الاستراتيجي للمقاومة يجعلها قادرة على توجيه ضربات مؤثرة لإسرائيل رغم كل المحاولات للقضاء عليها.

تقارير الامم المتحدة تشير الى تجاوزات اسرائيل وارتكابها جرائم ابادة جماعية، مما دفع دول اعادة تقييم علاقاتها مع اسرائيل.

والى جانب الاعتراف الدولي بدولة فلسطين يواصل المجتمع الدولي الضغط عبر مؤتمرات مثل مؤتمر حل الدولتين غدا، ليبحث إطارا سياسيا يضمن الحقوق الفلسطينية.

ويبقى السؤال الاستراتيجي , هل تريد اسرائيل هزيمة حماس ام فرض سيطرة سياسية استراتيجية؟

الواقع يشير الى ان اي هزيمة كاملة غير ممكنة طالما ان التنظيم الشبكي لحماس فعال والمقاومة مستمرة.

محطة 7 أكتوبر تترك درسا مزدوجا ,الفلسطينيون يثبتون أن الإرادة الوطنية يمكن أن تصمد وتفرض نفسها، وحماس تظهر أن التنظيم الذكي والصمود الاستراتيجي قادران على توجيه ضربات حقيقية لإسرائيل رغم كل المحاولات للقضاء عليها. وفي المقابل، إسرائيل تتخبط، تضرب هنا وهناك، وتواجه عزلتها السياسية والدولية، وهو ما يجعل أي محاولة فرض السيطرة الكاملة غير ممكنة طالما استمرت إرادة المقاومة.

ويبقى الدرس الأهم ان محاولات كسر إرادة شعب بأكمله فاشلة ، وأن الطريق نحو حل عادل وشامل يمر فقط عبر الاعتراف بالحقوق الوطنية والإنسانية للشعوب.

 

من المهم التنويه أن موقعنا يلتزم بالبند 27 أ من قانون الملكية الفكرية (סעיף 27א לחוק זכויות היוצרים). ويبذل قصارى جهده لتحديد أصحاب الحقوق في المواد المختلفة المنشورة لديه. وفي حال كانت لديكم اية ملاحظات تتعلق بحقوق الملكية، فيرجى الاتصال بنا للتوقف عن استخدامها عبر الخاص في هذه الصفحة او على ايميل: almasar@gmail.com

زر الذهاب إلى الأعلى