محمد بكرية: أدبيّة قصائديّة جديدة

“في البَدء..

“في البدءِ خلقَ اللهُ السماواتِ والأرض، وكانت الأرضُ خاويةً خاليًة وعلى وجه الغَمْرِ ظلام”

هلْ مِن نبيٍّ جديد؟

ليفسّرَ سرّ الظلامِ واندثارَ الضوء في يقظتي ومنامي!

صِحتُ: هلْ من نبيّ جديد!

همسَ الصدى:

لا أحدَ يريدُ يا صديقي

لا أحدَ يريد

على هذا الرمل وكلُّ بلادِ الله صارتْ رملًا

أشكرُ الربّ في كلِّ خطوةٍ، فقد أجّلَني الموتُ سُويعةً أخرى

شهيقٌ وزفيرٌ ما بينهما في الصدر صدى

أطفالٌ يصرخون، شيوخٌ يلهثون، رجالٌ يولولون

صدًى في صدري

لا جدوى من هذا التلفّت بين النازحين

لأرى في الوجوه ارتدادَ شكلي وظلّي

صحراء

صدًى فوقي على جانبيّ

لا طيرَ يظلّلُ سَمْتي

أو يبدّدَ وحدتي

دمعٌ في العينين

وعلى الجبين ندً.

أعُدُّ ما سيتبقى من عمري

عاش صديقي خمسين خطوةً ثمّ قضى

هل ستمُهلُني السماءُ قليلًا؟

وإنْ نجوْتُ، إلى أيّ جهةٍ

أنزّقُ ساقيّ

بلا دربٍ نسيرُ بلا هدى

صدًى

سأغمضُ عينيّ كي لا أرى

عزرائيل

ربما يجنحُ عنّي أو يمهلُنِي

سأغمضُ عينيّ

لأكتبَ وصيّة وأُوْدِعَ في الرّكام حنيني

لا أسمعُ لا أرى أحدًا في طوابير النازحين إلى الجنوب

لا أبكي على أحد.. لا أحنّ لأي بلد

غشاوةٌ على العينيْن

وقرٌ في الاذنين

وحيدًا بين ظلال تَهيم

لا نبيّ يرشدُني إلى الهدى

يدفعني رمقي.. أهرولُ كما هاجرَ

علَّ زمزمَ أخرى ترشحُ ماء

اصرخُ:

هل من نبيّ كموسى نستسقيه؟

صاح الصدَى:

ثمّ تبتليه؟

هلْ من غمامةٍ تحجبُ القيظَ في هذا الرحيل؟

نحن رهنُ الوصايا

فلتتنزّلْ علينا ألواحٌ جديده في تيه الصحراء

صاح الصدى:

والسومريُّ؟

قلتُ: ليس بيننا

أطفالٌ شيوخٌ هنا

ليس بيننا

صاح الصدى:

لا أحدَ يريدُ نبوءةً

انقطع الوحيُ

مات الاله

سقط الضوءُ في لُجَج البحار

ولم يكتمل التكوي.

“وقال الله ليكن نورٌ فكان نور

ورأى اللهُ النورَ أنه حسنٌ وفصل الله بين النور والظلمة”

أرى روحي تسبقني أمامي

قد تأهبَتْ لتعلو متى شاء

من يشاء

وهذا هيكلي، أدفعُه

وعلٌم أبيضُ أرفعُه

أرى جسدي، منكسرًا تارة

ملقًى على الرمل تارة أخرى

يتأرجحُ النَفَسُ في الرمقِ الأخير

صدى صدى

أصيح:

قشتالة، قشتالة.. لا تغفري لي “خطيئتي”

هذه كُتبي كلّ كتبي وهويتي

وهذا اسمي لم أبدّله

اندلسيٌّ أنا

وغرناطة بلدي

فافعلي بي ما شئْتِ

رأيتُ في منامي أنّ القبورَ ليست موحشة

كما ظنّ الفقهاء

وأن نجاتي هناك بين غيومٍ وسرابٍ في السماء

لستُ “مورسكيّا” ولستُ عربيّا روميّا

هذه كتبي وغرناطة بلدي

قشتالة افعلي ما شئتِ، واغرسي سَهما في كبد.

صدى.. صدى

أستديرُ إلى الخلف ثابتاً.. أصوّبُ خطاي.. أصرخُ

أنا هنا ، هذه رايتي عالية، هذا حطامي وهناك ركامي

هذا ما تبقّى من خيمتي، هذه غرناطتي

ولي ذاكرتي بوسع المدى

صدى صدى

** إضاءات:

–  “في البدء خلق الله —-” سفر التكوين في التوراة.

– هاجر: الزوجة الأولى للنبيّ إبراهيم الخليل وأمّ النبيّ إسماعيل.

–  زَمزم: عين الماء التي فجّرها الله ليروي إسماعيل صغيرًا.

–  ألواح: الألواح التي كُتبت عليها الوصايا العشر والتي أنزلت على النبيّ موسى في جبل سيناء.

–  السومريّ: هو الشخص الذي استغل صعود النبي موسى إلى جبل سيناء بناء على أمر الله لتتنزّل عليه الوصايا العشر، فأقنع اليهود بعبادة العجل بعد أن صنعه لهم من الذهب وأصبحوا يسمعون خوارًا خارجًا منه، وكان الخوار صوت الهواء”.

– المورسكيّون: هم العرب الأندلسيّون الذين أجبروا على التنصّر وحرق كتبهم الدينيّة والعلميّة وترك التقاليد العربيّة، بعد أن احتل القشتاليّون بقيادة الملك فيرناندو وزوجته الملكة إيزابيلا غرناطة وقرطبة وسائر الممالك الأندلسيّة.

 

 

من المهم التنويه أن موقعنا يلتزم بالبند 27 أ من قانون الملكية الفكرية (סעיף 27א לחוק זכויות היוצרים). ويبذل قصارى جهده لتحديد أصحاب الحقوق في المواد المختلفة المنشورة لديه. وفي حال كانت لديكم اية ملاحظات تتعلق بحقوق الملكية، فيرجى الاتصال بنا للتوقف عن استخدامها عبر الخاص في هذه الصفحة او على ايميل: almasar@gmail.com

زر الذهاب إلى الأعلى