انغام محاميد: ذكرى…!

اليوم، وأنا في طريقي إلى العمل، مررتُ بالشارع الذي شهد حادثي قبل أشهر، فرأيت فيه حادثاً آخر. تجمّد قلبي لوهلة، وشعرتُ ببرودةٍ تتسلّل إلى قدميّ، وكأنّ ذاكرتي القديمة انبعثت من جديد وسط ضجيج صفارات الإسعاف. كنتُ أمرّ ببطءٍ بين السيارات العالقة في الزحمة، أراقب الأضواء الحمراء التي تتراقص فوق الوجوه القلقة، وأحاوِل أن أتماسك فيما تأخّرتُ عن عملي. لم يكُن المشهد مُجرّد حادث عابر، كان ارتطاماً آخر بيني وبين خوفي القديم.
بعد ساعات، رأيتُ على وسائل التواصل أنّ من رحلت في ذلك الحادث شابّة في مُقتبل عمرها، محامية، وكانت مثلنا في طريقها إلى العمل. شعرتُ أنّ الطريق الذي ابتلع حلمها ذات صباح هو نفسه الذي منحني فرصة النجاة قبل أشهر، وفاض قلبي بثقلٍ لا يُحتمل.
كُلّ حادثٍ يمرّ بنا يترك شرخاً خفيّاً في الروح، لكنّ النجاة تملأ هذا الشرخ بنور الإمتنان. نخرج من بين حطام الحديد والغبار، لنكتشف أنّ العُمر لم يكن بديهيّاً يوماً، وأنّ كُلّ دقيقة نعيشها بعد النجاة هي مُكافأة سرّية من السماء. النجاة من حادث ليست مُجرّد إستمرارٍ للحياة، بل إعادة تعريفٍ لها. من تلك اللحظة نفهم أنّ الطريق ليس إسفلتاً وعجلات فقط، بل إختبارٌ دقيقٌ للقدر، ورحلةٌ لا يعلم مداها إلا الله. وما دمنا أحياء، فهذا يعني أنّ لنا رسالة لم تكتمل بعد. أحياناً لا ننجو كي نُواصل حياتنا كما كانت، بل كي نصير شهوداً على المعنى: أنّ الحياة أعمق من روتيننا اليومي، وأنّها قابلة للإنطفاء في لحظة، لكنّها أيضاً قادرة على أن تُزهر من جديد في قلبٍ عرف الهشاشة وتعلّم من النجاة!
من المهم التنويه أن موقعنا يلتزم بالبند 27 أ من قانون الملكية الفكرية (סעיף 27א לחוק זכויות היוצרים). ويبذل قصارى جهده لتحديد أصحاب الحقوق في المواد المختلفة المنشورة لديه. وفي حال كانت لديكم اية ملاحظات تتعلق بحقوق الملكية، فيرجى الاتصال بنا للتوقف عن استخدامها عبر الخاص في هذه الصفحة او على ايميل: almasar@gmail.com