د. محمد حبيب الله: في يوم المعلم العالمي

صادف يوم الاحد 5.10.2025 يوم المعلم العالمي، الذي كان قد أعلن عنه عام 1994 اعتمادا على التوصية المشتركة لليونيسكو ومنظمة العمل الدولية.

لقد آمنت شخصيا بمقام المعلم الرفيع، ولا ازال اردد ما قاله خليل السكاكيني: “لو مت وبعثت من جديد لاخترت ان اكون معلما” هذا القول الذي امنت به طول حياتي.

لا امانع إذا قلت انني خلقت بالفطرة عاشقا لهذه المهنة وفضلتها على خيارات اخرى كانت امامي عندما انهيت المدرسة الثانوية مع تخصص علمي. وكنت حينها أستطيع ان احصل على قبول في أي جامعة، بسبب المعدل العالي الذي حصلت عليه في البجروت وان اكون مهندسا او طبيبا او محاميا او عالما فيزيائيا.

لكنني وجدت نفسي اجري وراء دخولي الى دار المعلمين في يافا (1958) فكنت من الفوج الاول لهذه الدار (1960) وعيّنت معلما في بلدي عين ماهل. وفي اليوم الاول لعملي حضر مفتش المعارف العربية في حينه السيد رائف الزعبي.

وتفاجأ بوجودي ذلك انه قد حضر عندي درسا في فترة التطبيقات العملية الاخيرة في دار المعلمين (1960) وكان الدرس حول قصيدة “غير مجدٍ في ملتي واعتقادي…” للشاعر الاعمى ابو العلاء المعري. وقد ابدعت في هذا الدرس حين ربطت هذه القصيدة وصاحبها برسالة الغفران (للمعري) و”الكوميديا الالهية” للشاعر “دانتي” و”الفردوس المفقود” للشاعر “ميلتون” ورسالة “التوابع والزوابع” لابن شهيد الاندلسي، هذا بالإضافة الى طريقة عرضي للقصيدة القاء وشرحا ومناقشة مع الطلاب.

فما كان منه الا واعطاني علامة كاملة على هذا الدرس وعرض عليّ تعييني معلما في مدرسة الاخوة في حيفا التي كان مسؤولا عنها. ولكنني رفضت حينها العرض وقلت له انني اريد ان اعمل في بلدي التي كانت تنتظرني فكنت اول معلم في القرية مع زميلي في دار المعلمين مصطفى حبيب الله. فما كان منه الا واعطاني كتاب تعيين نائبا للمدير.

وهكذا درجت في هذا العمل خمس سنوات شاء القدر بعدها ان انتقل للجامعة العبرية للتعلم وانهاء دراستي للقبين الاول والثاني في الجامعة وعينت اثر ذلك في الاول من ايلول 1968 معلما ومرشدا تربويا في دار المعلمين.

لا زلت اذكر قصيدة امير الشعراء احمد شوقي في المعلم والتي شاعت وكان مطلعها:

قم للمعلم وفه التبجيلا

كاد المعلم ان يكون رسولا

لقد كنت ولا زلت حاملا الشعار “قم للمعلم” اقولها هذا اليوم بمناسبة يوم المعلم العالمي وفي وقت نعيشه اليوم فيه تزعزعت مكانة المعلم وقل احترامه.

لقد حظي المعلم عبر التاريخ بمكانة قدسية جعلت منه عنوانا للتربية والتعليم وهنالك قصص كثيرة تروى عن مكانة المعلم في نظر المجتمع والافراد منها قصة القاضي الذي قبّل يد المعلم عندما دُعي للمحكمة بتهمة الاعتداء على صبيٍّ كان قد ضربه وقبل ان يصدر القاضي الحكم، وبعد ان نظر الى المتهم نظرة فاحصة قام من كرسيّه وتوجه نحوه وقبّل يده، وامام استغراب الناس من تصرف القاضي رجع الى كرسيه.

وقال: “هذا المتهم كان معلمي ولولاه لما وصلت الى هذا المنصب الذي انا فيه اليوم”. وهنالك قصة اخرى تروى عن “بائع الجرائد”، الذي كان يفترش جرائده في مدخل قاعة كان سيتم فيها تكريم كبير مستشاري القلب في المستشفى الملكي في “لندن”، والذي كان اصلا من العراق وكان الاحتفال في بغداد.

وقد استوقفه امام القاعة منظر بائع الجرائد الكبير السن فتذكر ان هذا الانسان كان معلمه قبل سنين وعندما نودِيَ لإستلام شهادة التكريم قام من مكانه وبدل من ان يتوجه للمنصة توجه الى خارج القاعة والناس تنظر اليه في ذهول. واقترب من بائع الجرائد وتناول يده واخده الى الداخل والبائع يرجوه ان يتركه بقوله: “انا مش رايح افرش الجرائد مرة تانية هنا”، الا ان الدكتور المحتفى به ادخله الى القاعة بالرغم من مقاومته له واخذه امام الجمهور الحاضرين وهو يعانق ويقبل رأسه قائلا: “انا تلميذك يا استاذ خليل… كنت الاول في صفي وكنت تشجعني دائما”. وعندما تناول الوسام قلده لبائع الجرائد وقال: “هؤلاء هم من يستحقون التكريم، واللهي ما ضعنا وتخلفنا وجهلنا الا بعد اذلالهم وعدم احترامهم وتقديرهم بما يليق بمقامهم ورسالتهم السامية”.

اسوق هاتين القصتين للقراء معلمين واباء وبمناسبة يوم المعلم العالمي عسى ان يتذكر الناس دائما قيمة المعلم وعسى ان تعود للمعلم مكانته واحترامه، وان يكون المعلمون معلمين ومربين حقا يليق بهم الاحتفال بتخصيص عيد سنوي لهم في كل سنة في الخامس من شهر تشرين الاول في كل العالم.

 

من المهم التنويه أن موقعنا يلتزم بالبند 27 أ من قانون الملكية الفكرية (סעיף 27א לחוק זכויות היוצרים). ويبذل قصارى جهده لتحديد أصحاب الحقوق في المواد المختلفة المنشورة لديه. وفي حال كانت لديكم اية ملاحظات تتعلق بحقوق الملكية، فيرجى الاتصال بنا للتوقف عن استخدامها عبر الخاص في هذه الصفحة او على ايميل: almasar@gmail.com

زر الذهاب إلى الأعلى