الشيخ محمود وتد: “ويحك لا تفتحه، فإنك إن تفتحه تلجه”!

عن النواس بن سمعان الأنصاري رضي الله عنه، عن رسول الله ﷺ قال: (ضرب الله تعالى مثلًا صراطًا مستقيمًا، وعلى جنبتي الصراط سوران، فيهما أبواب مفتحة، وعلى الأبواب ستور مرخاة، وعلى باب الصراط داعٍ يقول: يا أيها الناس ادخلوا الصراط جميعًا ولا تتعرجوا، وداعٍ يدعو من فوق الصراط، فإذا أراد الإنسان أن يفتح شيئًا من تلك الأبواب قال: ويحك لا تفتحه، فإنك إن تفتحه تلجه…) – رواه الترمذي والنسائي وأحمد، وقال الترمذي: حديث صحيح.
الطريق المستقيم… رسمه الله لعباده
يصور لنا النبي ﷺ بهذا الحديث مشهدًا بديعًا يجسد حقيقة الطريق إلى الله: طريق مستقيم لا عوج فيه، من سلكه نجا، ومن انحرف عنه هلك.
وعلى جانبي هذا الطريق سوران، أي جداران يحميان السائر من الانحراف، وداخل الجدران أبواب مفتحة لكنها محجوبة بستائر رقيقة، تُغري النفس بفتحها والنظر وراءها.
تلك الأبواب — كما فسرها النبي ﷺ — هي محارم الله، والستور التي عليها هي ما يردع الإنسان من الوقوع فيها، من حياءٍ أو ورعٍ أو خوفٍ من الله.
أما الصراط المستقيم فهو الإسلام، والسوران هما حدود الله، والداعي الذي عند رأس الصراط هو القرآن، والداعي من فوق الصراط هو واعظ الله في قلب كل مؤمن.
بين النداء والهوى
ما أعظم هذا التصوير! فكل مؤمن يسير في حياته بين نداءين:
نداء يدعوه إلى الحق ونداء يدعوه الى الباطل.
نداء يدعوه من كل باب لمعصية الله، ونداءٍ من قلب مليء بالإيمان، يردده ضميره إذا همّ بتلك المعصية: “ويحك لا تفتحه، فإنك إن تفتحه تلجه”!
إنها صرخة رحمة قبل الوقوع، وتحذيرٌ قبل الانزلاق. فكم من بابٍ من المعاصي بدأ الإنسان بفتحه بنظرة، أو كلمة، أو خطوة، ثم لم يلبث أن تورط فيه حتى غلبه هواه!
ولذا قال الواعظ الإلهي في الحديث: “فإنك إن تفتحه تلجه” — أي إنك إن جربت فتح باب الحرام ولو قليلاً، سيسحبك إلى داخله فلا تقدر على الرجوع إلا بتوبة صادقة.
حدود الله ليست قيدًا بل أمانًا
كثيرون يظنون أن حدود الله تضييق على الحرية، لكنها في الحقيقة أسوار حماية تحفظ القلب والجسد والعقل من التلوث والذل والانكسار.
فكما أن السور حول الجسر يمنع السقوط، كذلك شرع الله يمنع الإنسان من الهلاك.
إن من يقترب من حدود الله دون حذر، كمن يسير على حافة الهاوية، وما هي إلا لحظة ضعف حتى يقع فيها.
واعظ الله في قلب كل مسلم
من أجمل ما في الحديث قوله ﷺ: “والداعي من فوق الصراط واعظ الله في قلب كل مسلم”.
إنها فطرة الإيمان التي غرسها الله في النفوس، ذلك الصوت الداخلي الذي يهمس في أذنك كلما اقتربت من معصية: ” اتق الله… ارجع… هذا لا يرضيه عنك”.
ولكن حين يكثر الإنسان من المعاصي، يخبو هذا الصوت شيئًا فشيئًا، حتى يصمت تمامًا.
وقفة دعوية
هذا الحديث منهج حياة للداعية وللمسلم على السواء. فالداعية الحق هو الذي يدعو الناس إلى الصراط المستقيم، يبين لهم حدود الله، وينذرهم من فتح أبواب المعاصي.
والمسلم المخلص هو من يستجيب لنداء الحق، ويصغي إلى صوت الإيمان في داخله، فيقف عند قوله: “ويحك لا تفتحه، فإنك إن تفتحه تلجه”.
خلاصة المعاني:
الصراط المستقيم: الإسلام.
السوران: حدود الله.
الأبواب المفتحة: محارم الله.
الستور المرخاة: الحياء والورع.
الداعي على رأس الصراط: القرآن الكريم.
الداعي من فوق الصراط: واعظ الله في القلب.
ختامًا
إن هذا الحديث من أبلغ ما قيل في بيان منهج الهداية، إذ جمع بين الترغيب والترهيب، وبين وصف الطريق وموانع الانحراف عنه.
فطوبى لمن سمع النداء فاستجاب، وأغلق بيده أبواب المعصية قبل أن تُفتح، ووقف على الصراط مستقيمًا لا يتعرج حتى يلقى الله بقلبٍ سليم.
من المهم التنويه أن موقعنا يلتزم بالبند 27 أ من قانون الملكية الفكرية (סעיף 27א לחוק זכויות היוצרים). ويبذل قصارى جهده لتحديد أصحاب الحقوق في المواد المختلفة المنشورة لديه. وفي حال كانت لديكم اية ملاحظات تتعلق بحقوق الملكية، فيرجى الاتصال بنا للتوقف عن استخدامها عبر الخاص في هذه الصفحة او على ايميل: almasar@gmail.com