خليل حمد: نداء استغاثة فريد من نوعه!

في طريقي هذا الصباح إلى بلدتي كفل حارس، لنستكمل أنا وزوجتي عملنا في قطف الزيتون، حدث معي أمر غريب عجيب أشعرني بدهشة عارمة وتساؤل عميق.
لكن الحكاية لم تبدأ هنا، بل حينما استيقظتُ من غفوةٍ ما بعد صلاة الصبح، إذ فرض سلطان النوم نفسه عليّ لشدة التعب من العمل في حقول الزيتون خلال هذا الموسم.
الذي أيقظني هو صوت رسالةٍ مبكرة وردتني على الجوال في تمام الساعة السادسة والربع صباحًا، وكانت عبارة عن فيديو قصير جدًا لصورة حاوية بلاستيكية (جالون) فيها القليل من الزيت، وصوت صاحب الفيديو، صديقي الروائي الملهم زياد خداش، يقول فيه كلمة واحدة على شكل نداء استغاثة:
“خليل، أنقذني… أنقذني يا خليل!”
وينتهي الفيديو عند هذا الحد.
وطبعًا فهمتُ الرسالة فورًا ولم يذهب تفكيري بعيدا ، لأن زياد كان قد طلب شراء زيت مني منذ بداية الموسم، ووعدته بتوفير طلبه في أسرع وقت ممكن، لكن انشغالنا في القطاف أخّر تلبية طلبه وطلب الدكتور عادل الأسطة أيضًا حتى الآن.
وما هي إلا لحظات حتى أتبع زياد ذلك النداء برسالةٍ صوتيةٍ توضيحية قال فيها:
“تعرف يا خليل، أنا بوكل الزيت باعتدال، يعني مش كل يوم. بس لما أدخل الدار وتقع عيني على حلة الزيت، بحس بطمأنينة غامضة… إحساس مش مفهوم. فكرة إنه عندي زيت تريحني. لكن هالأيام صرت أحزن لأن الزيت كاد ينفد…”
فأرسلتُ له رسالةً جوابية قلت فيها:
“ملاحظتك مهمة. وهل تعلم أنني ألحظ أيضًا أن العمل في قطف الزيتون يجذب الإنسان بطريقةٍ سريةٍ عجيبة؟ فما إن يقوم من النوم حتى يُسارع الخطى إلى الحقل، وهناك لا يستريح أبدًا. ولو كان يعمل في البناء أو أي عملٍ آخر، لكان جلس يرتاح أو يشرب الشاي ويضع رجلًا على رجل، لكن في العمل بقطف الزيتون لا يعرف الجلوس أبدًا، ولا الأكل أحيانًا كثيرة، ولا يجد وقتًا لصناعة الشاي على الحطب. فلا بد أن في شجرة الزيتون سرًّا إلهيًّا… ضروري، ضروري تكتب عنه يا زياد.”
عقّب زياد بأنه، من خلال مشاهداته، يشعر بأن عشقي للزيتون ظاهرة غريبة، ووعد بعمل فيلم وثائقي حول الموضوع في قادم الأيام.
في هذه الأثناء، كانت زوجتي التي لم تنم بعد صلاة الصبح، تجهّز وتستعدّ ليوم العمل في حقل الزيتون. وبعد أن انتهت من التحضيرات التي تشمل المأكل والمشرب والملبس، تحركنا بسم الله مجراها ومرساها، على طريق قلقيلية قاصدين حقل الزيتون في كفل حارس.
طوال الوقت كنتُ مشغولًا ذهنيًا بذلك الحوار الذي دار بيني وبين زياد حول شعوره بالطمأنينة لوجود الزيت في البيت، والحزن الذي يصيبه إذا فرغت القنينة، وكذلك ظاهرة السرعة والاستعجال الجنونية التي تتملك قاطفي الزيتون.
كان الراديو مفتوحًا على إذاعة القرآن الكريم كما هي العادة، وكنا نستمع أنا وزوجتي لتلاوةٍ جميلة. وقد مررتُ بجانب الأكاديمية ومن بيت وزن، ودرتُ حول دوّار قوصين باتجاه مفرق صرّة، وأثناء مروري أمام الحمّام التركي خطر في بالي أن مشاعر الاطمئنان التي تحدث عنها زياد، وحالة الاستعجال التي طرحتها أنا، لا بد أن لهما علاقة بتلك الآية التي تتحدث عن الزيتونة:
“وَشَجَرَةً تَخْرُجُ مِن طُورِ سَيْنَاءَ تَنبُتُ بِالدُّهْنِ وَصِبْغٍ لِّلْآكِلِينَ” (المؤمنون: 20)
وما هي إلا لحظات، وقبل الوصول إلى محطة الهدى، وإذا بالقارئ في الإذاعة يتلو تلك الآية نفسها!
ولأنني لم أكن منتظرًا أن يحدث ذلك، فقد تفاجأتُ أيما مفاجأة، واعتبرتُ أن ما جرى ليس صدفةً قط، وإنما رسالة تؤكد أن في الزيت والزيتون أسرارًا إلهيةً غامضة، وهي حتمًا آياتٌ عظيمة.
كيف لا، وقد ورد ذكرهما في القرآن الكريم في أكثر من موضع، وخُصّت شجرة الزيتون بسورةٍ كاملة؟
لكن السؤال يظل مفتوحًا:
هل في الزيت طاقة وقوة جذب وتأثير إلهية؟ وهل الأمر ليس عشوائيًا ولا مزاجيًا؟!

من المهم التنويه أن موقعنا يلتزم بالبند 27 أ من قانون الملكية الفكرية (סעיף 27א לחוק זכויות היוצרים). ويبذل قصارى جهده لتحديد أصحاب الحقوق في المواد المختلفة المنشورة لديه. وفي حال كانت لديكم اية ملاحظات تتعلق بحقوق الملكية، فيرجى الاتصال بنا للتوقف عن استخدامها عبر الخاص في هذه الصفحة او على ايميل: almasar@gmail.com

زر الذهاب إلى الأعلى