د. هيفاء مجادلة: كيف يُعاد للمعلّم حقّه؟!

التّعليم من أسمى المِهَن وأعمقها أثرًا، فالمعلّم/ة هو من يبني الإنسان، وعلى يَدَيْه تتخرّج سائر المِهَن. والمجتمعات الحكيمة هي التي تمنح المعلّم المكانة التي يستحقّها ليؤدّي رسالته على الوجه السّويّ.
في أيّامنا، يعيش المعلّم/ة دوّامة ضغوطٍ متشابكة أفضت إلى حالة استنزاف حقيقيّة تنهش أعماقه يومًا بعد يوم. بين مهامّ تدريسية تمتدّ إلى ما بعد الدّوام، ومتطلّباتٍ وزاريّةٍ متلاحقة، وتوقّعاتٍ أُسَريّةٍ ومجتمعيّة لا سقف لها، وطلّابٍ يعيشون تشتّت الشّاشات وتقلّبات العصر، يجد المعلّم نفسه وحيدًا في “معركةٍ” بلا هُدْنة.
من تداعيات هذا الاستنزاف تآكلُ الدّافعيّة الدّاخليّة لدى المعلّم: ذلك الشّغف الذي كان يلمع في عَيْنَيْه بات يخبو تحت ركام المهامّ، والتّقارير، والمقارنات. يُطلب من المعلّم أن يكون المربّي والموجّه والمعالج النفسيّ؛ أن يعوّض ويجبر آثار غياب الأهل المنشغلين؛ وأن يرمّم ما تهدّم في نفوس طلّابٍ أنهكتهم الحياة.
وبكلمة حقّ صادقة: أرى وأعرف كثيرًا مِن المعلّمات والمعلّمين مَن يعمل بحُبٍّ رغم الضّغط، وبجُهدٍ مع ما قد يُقابله من لَوْم، وبعطاءٍ مع ما قد يُقابله من جفاء. لأنّ التّعليم بالنّسبة إليهم رسالة يؤدّونها ويحتسبون أجْرَها، حتّى لو اشتدّ التّعب وقلّ التّقدير.
أدرك جيّدًا، أنّ بين المعلّمين مَن يقصِّر، ومَن لا يُحسن الأداء. وأدرك أنّ هناك مَن يترك أثرًا سلبيًّا لدى طلّابه بنظرة أو كلمة أو سلوك.
غير أنّ وجود النّقص بعضٌ من طبيعة كلّ مهنة؛ فهل نَنسِف مكانة المعلّم بسبب تقصير قلّة؟ لقد أخطأ أطبّاءٌ أخطاءً جسيمة، ولم يُسقِط ذلك مكانةَ الطبّ ولا احترامَ المجتمع للأطبّاء. فكيف نَقبل أن تُمسّ مكانةُ أشرفِ المهن وأجلِّها؟
برأيي؛ علينا جميعًا أن نعيد الأمور إلى نصابها: المجتمع والمدرسة والأهل معًا.
كأهل، علينا أن نغرس في قلوب أبنائنا تقدير المعلّم واحترامه، فترتقي بذلك رسالة التّعليم، وأن نكون نحن القدوة في ذلك، فنتعامل مع المعلّمين بتقدير يليق برسالتهم ودورهم التّربويّ.
كمدارس، نهيّئ بيئةً داعمة للمعلّمين، يشعرون فيها بالأمان المهنيّ والتّقدير المعنويّ، وأن نُيسّر لهم مساحاتٍ للإبداع والتّجديد.
كوزارةٍ، نعيد النّظر في السّياسات التي تُحوّل المعلّم إلى مُنفّذٍ مرهق بدل أن يكون مبدعًا مُلهِمًا، وذلك عبر مَنْحِه الثّقة، وتوسيع استقلاليّته التربويّة، وتمكينه بالموارد والتّطوير المستمرّ، وتوفير بيئة عملٍ منصفة تشمل صفوفًا أقلّ اكتظاظًا وأنصبةً موزونة تحفظ طاقته.
كمجتمعٍ ومؤسّساتٍ (إعلام، سُلُطات محليّة، منظّمات ومؤسّسات مدنيّة)، نعتمد لغةً عامّةً تحترم المعلّمين وتتجنّب التّعميم، ونُبرز النّماذج المُلهمة.
حين تتكامل هذه الدّوائر الأربع – الأهل، والمدرسة، والوزارة، والمجتمع – ويُعاد للمعلّم حقّه في الدّعم والاحترام والمكانة؛ عندها يستعيد المعلّم توازنه… ليُعيد هو للمجتمع توازنه.
من المهم التنويه أن موقعنا يلتزم بالبند 27 أ من قانون الملكية الفكرية (סעיף 27א לחוק זכויות היוצרים). ويبذل قصارى جهده لتحديد أصحاب الحقوق في المواد المختلفة المنشورة لديه. وفي حال كانت لديكم اية ملاحظات تتعلق بحقوق الملكية، فيرجى الاتصال بنا للتوقف عن استخدامها عبر الخاص في هذه الصفحة او على ايميل: almasar@gmail.com



