رانية عقل: البلدي بين الذاكرة والمطبخ.. سرديّة المكان في مواجهة “البلدي-شيك”

** ردّ نقدي وجداني على مقال “بلدي-شيك” وقراءة فلسطينية لعدالة الطعام المحلي

*مدخل: حين يُنتزع الطعام من أهله

لا يمكن للمرء قراءة مقال “بلدي-شيك” دون أن يستيقظ داخله سؤال قديم–جديد:
هل يمكن الحديث عن الطعام “المحلي” في هذه البلاد دون الحديث عن أهل المكان؟

فكلمة بلدي ليست مصطلحًا ذوقيًا ولا موضة عابرة، بل هي:
يد جدّة تعجّن، أمّ تقطف الزيتون، طفولة في الحاكورة، وأرض كانت البيت الأول قبل أن طبقًا على التكون.

لهذا، حين يُختزل “البلدي” إلى تجربة ذوقية راقية… تفقد الكلمة نصف حقيقتها، وتفقد البلاد نصف قصتها.

البلدي في الذاكرة الفلسطينية هوية قبل أن يكون طعامًا.. البلدي في التجربة الفلسطينية ليس مجرد “مكوّن” أو “صنف زراعي”،
بل سيرة حياة:

زرعٌ بعليّ يثق بالمطر.

بذور محفوظة من جيل إلى جيل.

زيت زيتون حمل بيوتًا كثيرة عندما ضاق الحال.

تنوّع غذائي من الجدّات، لا من كتب الطهو الحديثة.

اقتصاد منزلي أنقذ العائلات من الجوع والحرب.

هو مساحة صمود: عندما تُقتلع الأرض، تبقى البذرة البلديّة كآخر خيط يربط الإنسان بجذوره. وإذا كان البعض يرى البلدي “ستايلًا”، فنحن نراه ذاكرة شخصية وجماعية.

** من البلدي إلى  Baladi-Chicقراءة نقدية في قلب الإشكالية**
المقال الذي يتناول “البلدي – شيك” يعرض تحوّل البلدي إلى علامة ذوقية “محلية”، لكنّه يتجاهل السؤال الأهم:

محليّ لمن؟
وبأي سياق؟

فالبلدي لا يمكن عزله عن:

النكبة

مصادرة الأراضي

تهجير القرى

محو أسماء الحقول

تشتت الفلاحين

انتقال البذور من ملكية العائلة إلى ملكية السوق

وعندما يُقدَّم البلدي اليوم كـ “أصالة إسرائيلية معاصرة”،
فهذا يخلق تبييضًا للسردية، وتحويلًا لمنتج فلسطيني جذري إلى قصة “محلية” محايدة.

المشكلة ليست في حبّ الطعام المحلي، بل في اقتطاعه من أصله.

* البلدي كرفاهية في المطبخ الإسرائيلي

وكبقاءٍ في التجربة الفلسطينية في المطاعم الراقية، يُقدّم “الباذنجان البلدي” مع رشة طحينة وديكور فني، ويصبح تجربة راقية “من المكان”.

لكن في القرى والبلدات الفلسطينية نفس الباذنجان هو:

مصدر غذاء أساسي

جزء من اقتصاد البيت

استمرار لخط عائلي

شهادة على أرض ما زالت تُزرع رغم الحصار والغلاء!

الفارق ليس في الطعم، بل فيما وراء الطعم.. في الذاكرة التي يحملها والأرض التي انجبته.. في مكان يتحوّل البلدي إلى “شيك”،
وفي مكان آخر يبقى شريان حياة.

الإشكالية الأخلاقية لظاهرة البلدي-شيك ظاهرة “Baladi-Chic” تجماليات جديدة، مداخلات تُعيد ملائما هو سياسي وثقافي ومؤلم ليصبح “منتجًا” الأجهزة المستقبلور.

وهنا تكمن الحِدّة الواجبة: لا يمكن الاحتفاء بالبلدي دون الاعتراف بأصحابه الأصليين. لا يمكن تحويل ذاكرة شعب إلى تجربة تذوّق خفيفة. لا يمكن الحديث عن “المحلي” دون مواجهة تاريخ الاقتلاع الذي يفقد البلدي سياقه، يفقد عدالته.

نحو سردية عادلة للبلدي — رؤية فلسطينية

السردية العادلة لا تلغي الأكل ولا الفرحة ولا الذوق، لكنها تعيد الأمور إلى مكانها الصحيح: الاعتراف بجذور البلدي الفلسطينية.

قراءة المطعم والأسواق ضمن سياق الأرض والتاريخ. إعادة صوت الفلاحات والجدّات إلى المائدة. دمج البلدي في خطاب العدالة البيئية والغذائية. احترام الذاكرة بدل تجميلها. التذوّق بوعي… ليس بعمى ثقافي.

بهذه الطريقة يصبح البلدي جسرًا صادقًا، لا علامة تجارية.

* خاتمة وجدانية: حين يعود الطبق إلى روحه البلدي ليس “شيكًا”.
بل هو بيتٌ صغيرٌ في الذاكرة.
هو المواسم التي حمّلتنا وأطعمَتنا حين ضاق العالم.
هو امرأة فلسطينية تناضل لتبقى واقفة،
حتى لو كانت تتعب، تنهك، تسقط… ثم تنهض وحدها.

إذا أردنا أن نكتب عن البلدي، فلنكتبه باسمه الحقيقي – لا باسمه المُعاد صوغه.

ولنترك قليلاً من القلب في الطبق، وقليلاً من العدالة في الحكاية، وقليلاً من الذاكرة في الزرع.

هكذا فقط…  يعود البلدي إلى مكانه: ليس كموضة، بل كحقّ!!

 

من المهم التنويه أن موقعنا يلتزم بالبند 27 أ من قانون الملكية الفكرية (סעיף 27א לחוק זכויות היוצרים). ويبذل قصارى جهده لتحديد أصحاب الحقوق في المواد المختلفة المنشورة لديه. وفي حال كانت لديكم اية ملاحظات تتعلق بحقوق الملكية، فيرجى الاتصال بنا للتوقف عن استخدامها عبر الخاص في هذه الصفحة او على ايميل: almasar@gmail.com

زر الذهاب إلى الأعلى