الشيخ رائد صلاح: كلمات وفاء لرئيس لجنة المتابعة الأستاذ محمد بركة

لازلت أؤكد قناعتي أنه لن يستقيم أمر لجنة المتابعة العليا في الداخل الفلسطيني حتى يجري انتخابها -رئاسة وعضوية- مباشرة من جمهورنا الواسع الممتد ما بين الجليل والمثلث والنقب والمدن الساحلية (عكا وحيفا ويافا واللد والرملة) وفق نظام انتخابات واضح ومضبوط يتم الاتفاق عليه سلفا وإقراره في لجنة المتابعة العليا، ولكن حتى نصل إلى مرحلة هذا الانتخاب المباشر يجب أن تتعاون كل مركباتها على الحفاظ عليها أولا كعنوان أساس لكل جماهيرنا في الداخل الفلسطيني، ثم لتدعم مسيرتها في كل نشاطاتها ومواقفها وخطاباتها وفي كل نشاطات لجانها المتفرعة عنها التي تزيد على عشرة لجان.
ومما لا يخفى على أي مراقب عاقل أن الأستاذ محمد بركة أبو سعيد عندما انتخب رئيسا للجنة المتابعة كانت اللجنة في حال مقلق من حيث تماسكها الداخلي ومن حيث أدائها، ومن حيث مكانتها بين جماهيرنا، ومن حيث مواكبتها للأحداث التي يجب أن يكون لها دور فيها، ومن حيث الملفات العالقة التي تراكمت على رفوفها، وإلى جانب ذلك كانت تعاني من ضعف مالي أبقاها بلا قدرة على توظيف سكرتير لها، وبلا قدرة على تغطية أساسيات عملها اليومي كالهاتف والكهرباء والتشريفات، وبلا قدرة على توظيف أهم ما يجب توظيفه من أجل نجاعة دورها، كتوظيف مدير عام لها.
وكل ما ذكرت شكّل عبءً على وجود ومسيرة لجنة المتابعة ومما راكم من هذا العبء أجواء التحريض التي كانت تشنها عليها أو على بعض لجانها أو على بعض أشخاصها أبواق رسمية أو أبواق إعلامية من بني جلدتنا وغيرهم!! وهكذا وجد أبو السعيد نفسه في هذا الواقع الشائك والملغوم الذي أحاط بهذه اللجنة.
ومن قراءتي للدور الذي أداه أبو السعيد كان واضحا له أن هناك خطرًا على مصير هذه اللجنة. حيث.. كان حالها كحال سفينة مهددة بالغرق. فهناك أبواق التحريض الرسمية التي راحت تطالب بحظرها.
وهناك أصوات في بعض قوائم الكنيست العربية باتت تؤكد أن القائمة (س) الكنيستيه العربية هي فزنوق لجنة المتابعة العليا.
وأن هذه القائمة (س) يجب أن تكون هي الممثلة الأساس لكل جماهيرنا، ومما زاد الطين بلة أن بعض الأبواق الإعلامية من بني جلدتنا، وبعض المواقع من بني جلدتنا، وبعض الأقلام من بني جلدتنا، وبعض الأصوات من بني جلدتنا تحولت إلى كرباج على لجنة المتابعة العليا لدرجة أن بعضهم كان يصرخ أمام القاصي والداني ويقول: لقد استنفدت لجنة المتابعة دورها!! أو أن لجنة المتابعة باتت لجنة أشخاص وليست لجنة جماهير!! أو أن آداءها بات ضعيفا وموسميا ولا يرقى إلى مستوى الأحداث، ولا شك أن مثل هذه الأقوال قابلة للنقاش، لأن لجنة المتابعة العليا ليست فوق النقد في يوم من الأيام، ومبدأ النقد مقبول إلا إذا كان نقدا لأجل النقد أو نقدا يهدف إلى إشاعة ثقافة الإحباط والترهل واللا مبالاة.
ومع وجود هذه الأجواء العاصفة فقد واصل أبو السعيد دوره وهو يعلم سلفا أن مهمته الأساس هي تثبيت وجود لجنة المتابعة العليا، ولعل ما ضاعف صعوبة هذا الامتحان حول مصير لجنة المتابعة العليا هو حظر الحركة الإسلامية في أواخر عام 2015، فكيف سيتصرف أبو السعيد أمام ذاك الحدث الجلل غير المسبوق؟!
لقد اجتهد أن يتواجد في كل نشاط مناهض لحظر الحركة الإسلامية يومها، بداية من خيمة حظر الحركة الإسلامية ومرورا بالمظاهرات والمسيرات النهارية والليلية في أكثر من بلدة التي قامت تندد بهذا الحظر غير المسبوق. وأنا شخصيا زرته مع بعض الأخوة مباشرة بعد هذا الحظر ثم جرى بيننا نقاش حول كيفية مواجهة هذا الحظر ثم قال لنا بعد مرور نصف ساعة على ذلك النقاش: فهمتكم! ثم على أثر تلك الجلسة أقيمت خيمة مناهظة الحركة الإسلامية برعاية لجنة المتابعة العلية.

كما واجتهد أبو السعيد أن يجد حلا مشروعا لأولئك الأعضاء من الحركة الإسلامية التي باتت محظورة إسرائيليا والذين كانوا أعضاء في لجنة المتابعة العليا. فقام بجولة استشارات مع أهل التخصص. ثم وصل إلى الحل المناسب الذي طعن فيه أحدهم مع شديد الأسف!
ولأن حظر الحركة الإسلامية إسرائيليا كان له تبعات، ومن ضمنها متابعة مطاردتي سياسيا ثم مواصلة محاكمتي ثم مواصلة سجني، وهذا ما وقع على الشيخ كمال خطيب والدكتور سليمان أحمد ومجموعة إخوة آخرين، وخلال هذه المطاردات لم يتغيب أبو السعيد عن جلسات محاكماتنا، بل كان من ضمن من انتظرني خارج سجن اللجون (مجدو) عندما خرجت منه في آخر سجن لي، وكان ممن واظب على الحضور في خيمة استقبالي التي أقيمت في منتجع الواحة بعد هذا السجن الأخير، وكان ممن شارك في المؤتمرات الصحفية في بداية إقامة هذه الخيمة وعند ختامها.
ولم يفوت فرصة ثقافية أو أدبية أو فنية إلا وشارك فيها، فقد شارك في افتتاح متحف أخي المرحوم الرسام العالمي عاصم صلاح أبو شقرة، وشارك في اشهار ديواني الشعري الذي هو بعنوان الربيع النبوي، وشارك في مسابقة رسم أقيمت في منتجع الواحة لمناهضة العنف وشارك في عدة فعاليات قطرية للجان إفشاء السلام، وعمل جاهدا على تجديد العهد مع يوم الأرض ومع يوم هبة القدس والأقصى وسعى لإعطاء روح جديدة لهذه الأيام، وواصل حضور يوم العودة الذي تنظمه جمعية المهجرين، وكان على تواصل دائم مع النقب ومع كل همومه التي تتعلق بالأرض والبيت والمقدسات.
وكان له جولات في المدن الساحلية وشارك في كثير من النشاطات التي أقيمت فيها، وقد حرص على التواصل مع القدس والمسجد الأقصى المباركين ومع مجلس الأوقاف والقوى الإسلامية والوطنية في القدس المباركة ولم يغفل عن استثمار كل فرصة للتواصل مع هموم الضفة الغربية، مع التأكيد أنه قام بكل هذه النشاطات ليس باسمه الشخصي، ولا باسم الحزب السياسي الذي ينتمي إليه بل باسم لجنة المتابعة.
ثم عندما وقع الكرب الشديد على غزة لم يقف حائرًا ولا صامتًا ولا متفرجًا بل اجتهد باسم لجنة المتابعة إلى تنظيم الاعتصامات المتواصلة، وإلى حشد جماهيرنا في مظاهرات قطرية، وإلى الاعتصام والامتناع عن الطعام بيافا مع أعضاء من لجنة المتابعة وإلى بذل عشرات المحاولات من أجل إيصال المساعدات الاغاثية إلى غزة.
وفي الوقت نفسه لم يغفل عن آفة العنف العمياء التي ضربت كل بيت فينا في الداخل الفلسطيني، ولم يغفل عن استقطاب القدرات البشرية والتخصصات العلمية من أبناء مجتمعنا لإستثمار كل طاقاتها للإسهام بنهضة مجتمعنا، فكان يوم القدرات البشرية السنوي، وكانت هيئة الطوارئ والهيئة الصحية، وكان يوم التواصل العالمي مع مجتمعنا في الداخل الفلسطيني.
وكان السعي الدؤوب لتوحيد جهود طلابنا الجامعيين في شتى الجامعات، وكان السعي الحثيث للتواصل الحي مع لجنة أولياء أمور الطلاب القطرية، ومع جمعيات حقوق الإنسان كعدالة والميزان، ومع المنابر الإعلامية الراشدة، ثم خلال مسيرة عمل أبي السعيد كرئيس للجنة المتابعة العليا نشطت لجان إفشاء السلام وازداد نشاطها وتوسع وتعدد وكادت أن تسجل أثرا طيبا مؤثرا في مناهضة غول العنف لولا أن المؤسسة الإسرائيلية قامت بحظر هذه اللجان، كما ونشطت لجنة (أوقافنا) التي هي من ضمن اللجان المتفرعة عن لجنة المتابعة العليا، وكانت لجنة (أوقافنا) ولا تزال تقوم بدور الراعي الأمين للحفاظ على المقدسات الإسلامية والمسيحية بأرقى سبل مشروعة، كما ونشطت لجنة الحريات وواظبت على تواصلها مع ملف أسرى الحرية.
وكم كنت أنا وغيري نتمنى أن تنشط سائر اللجان المنبثقة عن لجنة المتابعة وما لاحظته أن لجنة مكافحة العنف واللجنة الثقافية ولجنة الأرض والمسكن ولجنة الإشراف على اللجان الشعبية بدأت تنشط بهدف آداء دورها كما يجب وكم أتمنى لها التوفيق والنجاح.
ولعل بعض المراقبين يسأل: هل قام أبو السعيد بدوره كرئيس لجنة المتابعة العليا دون الميل الدائم إلى انتمائه الحزبي السياسي؟!
ولا شك هو سؤال له وزنه، ومع ذلك أقول كإنسان ثابر على حضور جلسات لجنة المتابعة خلال الخمس سنوات الماضية وعلى المشاركة في كل نشاط لها بعد سجني الذي امتد خمس سنوات ما بين سجن فعلي وسجن بيتي أقول: نعم قام بدوره مجتهدا أن يكون توافقيا مع الجميع دون الميل الحزبي السياسي، وكان ذلك واضحا من نشاطات لجنة المتابعة العليا ومن بياناتها ومن حضورها الدائم مع مختلف هموم مجتمعنا في الداخل الفلسطيني.
وهذا لا يعني أن أبا السعيد انقطع بالمطلق عن ميله الحزبي السياسي حيث كان يشارك في نشاطات حزبه السياسي ويدعو لها.
ثم أؤكد في ختام هذه المقال أن أبا السعيد أنهى دوره كرئيس للجنة المتابعة العليا ولا تزال هذه اللجنة تحتاج إلى الشيء الكثير كيما تؤدي دورها كما يجب، وهذا منوط بأعضائها ومنوط برئيس لجنة المتابعة الجديد (دكتور جمال زحالِقَه) الذي باركت له فوزه برئاسة هذه اللجنة، وأتمنى له التوفيق والنجاح في أداء دور الرئاسة للجنة المتابعة، لأن نجاحه يعني نجاح لجنة المتابعة، ونجاحها يعني تجديد أقوى تواصل وثقة بين لجنة المتابعة وكل جماهيرنا في الداخل الفلسطيني. (عن: موطني 48)
من المهم التنويه أن موقعنا يلتزم بالبند 27 أ من قانون الملكية الفكرية (סעיף 27א לחוק זכויות היוצרים). ويبذل قصارى جهده لتحديد أصحاب الحقوق في المواد المختلفة المنشورة لديه. وفي حال كانت لديكم اية ملاحظات تتعلق بحقوق الملكية، فيرجى الاتصال بنا للتوقف عن استخدامها عبر الخاص في هذه الصفحة او على ايميل: almasar@gmail.com



