شوقية عروق منصور‎: احذروا قرود الرصاص!

في المرحلة الثانوية، حين وقف المعلم يشرح لنا الدرس التاريخي عن حرب البسوس، كانت الدهشة تطل من عيوننا ، ونضحك ، معقول يا أستاذ ” حرب دامت أربعين سنة من أجل ناقة البسوس ” تلك العجوز الشمطاء التي حصدت الشهرة التاريخية لمجرد أنها نادت بالثأر، انها تريد الثأر للناقة التي طعنت ، فكانت قبيلتي تغلب وبكر على أهبة الاستعداد للضرب والقتل واشعال الحرائق في الخيام ، ويُطمئن المعلم خيالنا ناصع البياض ويقول لنا هذا زمن الجاهلية ، فيختلط ضحكنا بسخريتنا من ذلك الزمن.

ولم نكن ندري أننا نعيش في حظيرة البسوس، وأننا فشلنا في اسكات قرع طبول الثأر، وأن اساطير الحضارة التي نعيشها ما هي الا رغوة صابون ، تزول عندما تلمسها قطرة ماء التعايش اليومي ، لتكشف عن حقيقة العري .

بعد عصر الجاهلية وقعت مئات الحروب التي غاصت في الدم ، لكن بقي الحيوان بريئاً من دم الانسان ، وقد وقعت بعض الحروب هنا وهناك بسبب بعض الحيوانات أشهرها عام 1870 التي وقعت في أحد دروب قرية انطلياس في قضاء المتن بمحافظة لبنان ، بسبب حمارين تابعين لطائفتين حيث مرا من طريق تتسع لحمار واحد ، وبعد شجار وتهديد من قبل أصحاب الحمارين من سيمر بالأول ، قام أحدهم بشج رأس الثاني بقضيب من الحديد فقتله ، فقامت القيامة واشتعلت الحرب في لبنان ، حتى أن عشرات الكتب الفت عن هذه الحرب ، اشهرها كتاباً لكارل ماركس الذي اعتبر هذه الحرب وحشية ، ثم أخذ رسامي اللوحات في أوروبا يتخيلون تلك الحرب فرسموا لهذه الحرب اللوحات التي ما زالت شاهدة عيان على حرب الحمارين .

وفي هذا الزمن ما زالت تمطر الغيوم السوداء حكايات تطارد الذاكرة العربية والتاريخ الحيواني الملتصق بإشعال الفتيل، كأن هناك من يهدينا اوسمة للمضي في زرع المزيد من الحمق ، واكراماً للحيوان الذي تسمى المعارك باسمه .

في ليبيا في مدينة سبها ، تعيش قبيلة القذاذفة – الزعيم الليبي معمر القذافي من هذه القبيلة – وكان لأحد تجار القبيلة قرد مدلل، يتنقل بين الناس ويمازحهم ، لكن لم يعلم أن دلاله قد يغرق المكان بالدم ، ويكون سبباً في حرب جديدة .

في أحد الأيام والطالبات خارجات من المدرسة قام القرد بنزع غطاء رأس إحدى الطالبات من قبيلة  “أولاد سليمان” على سبيل المزاح فما كان الا أن بكت ، سمع والدها صوتها، فاشتعل الحوار وتسرب نفط القبيلة من تحت أرض الكرامة القبلية فشبت الحرائق بين القبيلتين ، أولاد سليمان والقذاذفة ، وبدأ أطلاق الرصاص وقتل في المعركة 16 شاباً ، كأن ليبيا ينقصها هذا الاشتعال والقتل حتى يأتي القرد وينفخ في الجمر .

على الأقل نحن نعلم أن القرد في ليبيا هو السبب، لكن لا نعلم نحن في اي زاوية يعيش القرد الذي يسكن قرانا ومدنا العربية، قرد الرصاص الملعون الذي اصبح جزءا من ايامنا، خوفنا . ذعرنا، نصرخ بأعلى اصواتنا: لقد تحولنا إلى ارقام تضخ يوميا وجوه القتلى ، هل يعقل ننام على جريمة ونصحو على جريمة ، في مجتمع هش  يعاني من أزمات ومشاكل لا حصر لها.

يكذب من يقول أننا مجتمع قوي وقادر وغني ؟ يكذب من يقول أننا نعيش في بحبوحة وصفاء ؟ يكذب من يقول أن المستقبل مضمون لأولادنا ؟ أسئلة كثيرة نطرحها على أرض الواقع ، والجريمة تنخر فينا والجنازات يومياً تسير في شوارعنا المؤدية إلى المقابر .

بن جفير يصول ويجول فرحاً بهذا التفتت ولعلة الرصاص …  يا فرحة قرود الشماتة وأصحاب الاجندات الذين يجلسون في ناطحات سحاب القرارات . ويا حزن الامهات وتراكم الارامل ونظرات الايتام .. بدلاً من فتح المدارس والمراكز الثقافية نفتح بيوت العزاء ..!!  هذا هو عنواننا اليوم ومن يحاول تغطية شمس الحقيقة .. انظروا إلى عدد ارقام القتلى منذ بداية العام حتى اليوم .. حتى نشر المقال ستزداد الأرقام ، صورة سوداء في مجتمعنا العربي

 

من المهم التنويه أن موقعنا يلتزم بالبند 27 أ من قانون الملكية الفكرية (סעיף 27א לחוק זכויות היוצרים). ويبذل قصارى جهده لتحديد أصحاب الحقوق في المواد المختلفة المنشورة لديه. وفي حال كانت لديكم اية ملاحظات تتعلق بحقوق الملكية، فيرجى الاتصال بنا للتوقف عن استخدامها عبر الخاص في هذه الصفحة او على ايميل: almasar@gmail.com

زر الذهاب إلى الأعلى