د. أحمد الطيبي: آلاف الأطباء والمعلمين بلا عمل، بينما جهازا الصحة والتعليم ينهاران.. لماذا؟

تواجه إسرائيل أزمة عميقة ومستمرة في جهازيْ الصحة والتعليم لديها. تشير مؤشرات دولية، وتقارير رسمية لمراقب الدولة، ومعطيات وزارة الصحة إلى الصورة نفسها: الدولة تعاني نقصًا حادًا في القوى العاملة في كلا المجالين. ينعكس ذلك في فترات الانتظار غير المعقولة للمحتاجين للأطباء المتخصصين، وفي الصفوف المكتظة بالتلاميذ حيال الصعوبة في توظيف معلمين، وفي الأنظمة الأكثر حيوية التي تعمل لفترات طويلة على حافة قدرتها القصوى، ويقول البعض إنها تجاوزت الحدود منذ زمن.
إلى جانب ذلك، هناك آلاف الأطباء والطبيبات والمعلمين والمعلمات المهرة والمؤهلين الذين بلا عمل. مفارقة مثيرة للقلق. ففي جهاز التعليم اليهودي وحده ينقص
حوالي 4500 معلم، بينما مئات المهنيين العرب، معلمين ومعلمات أنهوا تأهيلهم، جاهزون للمساهمة ويجدون أنفسهم خارج الجهاز منذ سنوات طويلة. هم لا يحتاجون إلى أكثر من فرصة، من فتح الباب. إنهم يتوقون إلى باب لا يكون مغلقًا في وجوههم.
وفقًا لمعطيات وزارة الصحة ومنظمة الـOECD، تحتل إسرائيل مرتبة أدنى من متوسط دول المنظمة في عدد الأطباء لكل ألف نسمة. ولتجاوز الفجوة، هناك حاجة لآلاف الأطباء الإضافيين، مثلما حذّر مراقب الدولة في الماضي.
في الوقت نفسه، يبحث أطباء عرب،كثيرون منهم خريجو جامعات معروفة في الخارج وكذلك في البلاد،عن طريقهم للاندماج في المنظومة الصحية العامة. يطلبون القبول للتخصص، والحصول على وظيفة، والمساهمة بمعرفتهم وخبرتهم. كثيرون منهم يواجهون عوائق، وعنصرية علنية أو خفية، وتأخيرات غير مبررة وبيروقراطية تحول دون عملهم في المهنة التي تدربوا لها سنوات طويلة. حتى وزارة الصحة تعترف بأنها لا تملك بيانات منظمة حول عدد الأطباء الذين يسعون للاندماج لكنهم ليسوا مُدْرجين في الجهاز.
في الحالتين، النتيجة واضحة: من جهة نقص هائل في القوى العاملة، ومن جهة أخرى أناس مهرة لا يُوظفون في مجال تدريبهم. الآلية التي يفترض أن تربط بين الحالتين فاشلة، أو ربما لم يكن المقصود أصلًا أن تربط بينهما.
هذا ليس إخفاقًا موضعيًا ولا خللًا مؤقتًا، بل مشكلة ممتدة لسنوات طويلة. الضرر مزدوج: المهنيون يتضررون اقتصاديًا ومهنيًا، والمجتمع كله يدفع ثمنًا باهظًا، وأحيانًا حتى ثمنًا حياتيًا. في كل يوم يبقى فيه شخص مؤهل خارج المنظومة، تدفع المستشفيات وجهاز التعليم الثمن. المرضى ينتظرون أكثر، الطلاب يتلقون أقل، والفجوات تزداد اتساعًا.
إذا كانت دولة إسرائيل ترغب حقًا وبصدق في تعزيز منظومتي الصحة والتعليم، فعليها أن تبدأ بفتح أبواب حقيقية وشفافة أمام كل المهنيين الراغبين في الاندماج. لا سد الطريق في وجههم.. لا مراكمة عراقيل. لا تأخير. لا رفض. بل إتاحة ودمج فعّال. بدل الحديث عن “نقص”، انظروا ببساطة إلى القوى البشرية الموجودة واستخدموها.
الصحة والتعليم هما عمودا الأساس لأي مجتمع سليم. وفي إسرائيل، هناك آلاف الأطباء والمعلمين والمهنيين العرب المتشوقين للعمل، وللمساهمة، ولإثراء المنظومة، ولتخفيف الأعباء والضغوط، ولإنتاج واقع أفضل للجميع. يجب النظر إليهم كقيمة مضافة، لا كعبء. ادمجوهم بالكامل، دون عوائق ودون تمييز. فالأمر ليس قضية عدالة فردية، بل مصلحة عامة.
** ترجمة لمقال نشر في صحيفة “هآرتس” يوم الاثنين 1.12.25.
من المهم التنويه أن موقعنا يلتزم بالبند 27 أ من قانون الملكية الفكرية (סעיף 27א לחוק זכויות היוצרים). ويبذل قصارى جهده لتحديد أصحاب الحقوق في المواد المختلفة المنشورة لديه. وفي حال كانت لديكم اية ملاحظات تتعلق بحقوق الملكية، فيرجى الاتصال بنا للتوقف عن استخدامها عبر الخاص في هذه الصفحة او على ايميل: almasar@gmail.com



