جواد بولس: زيارة البابا للبنان، وقفة على تخوم السياسة والضمير

غادر البابا لاون الرابع عشر لبنان يوم الثلاثاء الماضي تاركا شرقنا نازفًا رغم صلواته من أجل تحقيق العدالة والسلام، ودعائه من أجل ضحايا الحرب والفقراء والمضطهدين.
يعتبر بعض المحللين أن الزيارة كانت مفاجئة وحمّالة لعدة تأويلات ونوايا مختلفة؛ وقد عتب البعض على البابا انه اكتفى بزيارة بيروت ومناطقها واستبعد مناطق أخرى منكوبة حيث فيها “ناس أوادم وشرفاء ومؤمنين حقيقيين وأصوات مناهضة للتبعيّة والفساد ومواجهة العدو المحتل” كما كتب على صفحته الفنان الكبير مرسيل خليفة، وأضاف ” يا ريت كان وقتك بيسمحلك لتبحث عنهم خارج البروتوكول المكبّل والمزيّن بورد الكنائس والأديرة والقصور والطرقات “المزفتّي” التي عبرت عليها مركبتك البيضاء”.
لم تختلف زيارة البابا الحالي عن زيارات الباباوات السابقين لمنطقتنا، فجميع الزيارات كانت “غير عادية” وتشابكت خلالها أنفاس اللاهوت بحبائل السياسة واختلطت فيها حكمة الفقهاء بدماء الأساطير. لقد حضر البابا الى لبنان ومعه رسالة المحبة ونداء العدل والصلاة من أجل السلام بين البشر ولم يتجاهل من كانوا بعيدين عن بيروت فقال لهم: “أحيي جميع مناطق لبنان التي لم أتمكن من زيارتها: طرابلس والشمال والبقاع والجنوب الذي يعيش بصورة خاصة حالة من الصراع وعدم الاستقرار ، أعانق الجميع وأرسل الى الجميع أمانيَّ بالسلام”. سمعه من سمع وأعرض عنه من أعرض، وبقي الشرق شرقا يولد أهله ويموتون على حد يقين يسيل منه الخيال؛ ففي لبنان قديما، كما في فلسطين، سقطت رسائل السماء وبقيت في الفضاءات نثارًا إلهيا وترك البشر على الأرض يلهثون وراء أقدارهم ويتقاتلون كل من أجل يقينه وفي خدمة سلطانه أو رب نعمته أو قيصره.
لم يقتصر الترحيب بالبابا لاون على الطوائف المسيحية اللبنانية، بل خرج جميع اللبنانيين لاستقباله وتوحدوا، رغم اختلافاتهم الكثيرة حول أمور جوهرية، في موقف عكس رغباتهم بالتمسك بلبنان الواحد. وقد كان موقف “حركة أمل” ودعوتها لجميع أنصارها الى رفع العلم اللبناني فقط اثناء الزيارة اشارة لافتة أكّدت فيها الحركة على ضرورة التفاف اللبنانيين حول دولتهم ورمز سيادتها. وكذلك كانت رسالة “حزب الله”، وترحيبه الواضح بمجيء البابا، عبارة عن تأكيد الحزب على أهمية الموقف البابوي وعلى ضرورته في هذه الأوقات العصيبة التي يعيشها لبنان وفلسطين وسائر شعوب المنطقة. وقد جاء في الرسالة: ” لقد سبق لسلفكم الأسبق، البابا يوحنا بولس الثاني، أن اعتبر لبنان ليس مجرد “وطن، بل رسالة”، وواقع الأمر يثبت أن لبنان بتكوينه المتنوع يمثل صلة ووصل حضاري بين أتباع الرسالتين السماويتين، المسيحية والاسلامية، وبين أتباع الاتجاهات الدينية والثقافية والعلمانية في كل دول العالم وقاراته”.
أثارت الزيارة ردودا متباينةً؛ فهناك من رأوها دفعة أمل في لحظة بؤس تاريخية أو كيلا من زيت السماء يمدّ مصابيح الشرق بقليل من نور ونفس. فحضور البابا الى لبنان في وقت كانت تهدد فيه حكومة اسرائيل باستئناف اعتداءاتها العسكرية على الأراضي اللبنانية، حمل رسالة بأن لبنان ليس أرضا يتيمة ولا عرضة لكل معتد ومارق، وأن انهياره الكامل ليس قدرًا، بل على أهله أن يجدوا دروبهم نحو الانعتاق والحرية والخروج من حالة التشرذم والتفتت والاختصام. وهناك، في المقابل، من انتقدوا الزيارة لأنها جرت وفق بروتوكولات رسمية قد تتيح لبعض السياسيين اللبنانيين المتورطين باذكاء نيران العصبية الطائفية وبالفساد وبالتواطؤ مع إسرائيل والمشاريع الأمريكية في المنطقة، تلميع صورهم وظهورهم الى جانب البابا كقادة للدولة وعنوانها السياسي الشرعي الوحيد. وهذا بالفعل كان وجهًا من وجوه المشهد.
لقد وجه البابا بزيارته بوصلة الفاتيكان نحو لبنان وذكّر بمحنته، لكنه لم يغفل سائر ظروف المنطقة المشتعلة، خاصة ما تمر به القضية الفلسطينية وشعبها الذي يواجه حربًا وحشية منذ أكثر من عامين. ليس من السهل أن نتتبع تاريخ علاقة الفاتيكان بالقضية الفلسطينية وموقفه من اسرائيل منذ لحظة قيامها حتى أيامنا هذه؛ لكننا نستطيع بالاجمال أن نقول بأن “الكرسي الرسولي” كان وما زال يشكل أحد أبرز الأصوات القليلة في الغرب التي لم تتخلّ يومًا عن إيمانها بمبدأ العدالة وضرورة احلاله على القضية الفلسطينية. ولطالما اعتبر الفاتيكان أن السلام في الشرق الأوسط لا يمكن أن يتحقق من دون حل عادل يضمن للفلسطينيين دولة مستقلة ويحفظ للقدس خصوصيتها الروحية والتاريخية. وقد عبّر الفاتيكان مرارا عن رفضه للاحتلال وممارساته بحق الفلسطينيين، مؤكدا أن أمن أي دولة لا يمكن بناؤه أو تحقيقه على حساب شعب آخر. قد لا يكتفي بعض العرب والمسلمين بهذه المواقف أو قد يستخفّون بها، لكنها تظل جزءًا من هوية الفاتيكان الاخلاقية والسياسية والعقائدية التي تجنّدها نصرة للحق الفلسطيني وتذكّر العالم بها وبأن سيادة القانون والعدالة ليسا وجهتي نظر.
لقد حرص البابا أن يؤكد وهو في طريقه الى لبنان، بأنّ الحل الوحيد للصراع المستمر منذ عقود بين اسرائيل والفلسطينيين يجب أن يضمن قيام الدولة الفلسطينية، وأضاف في تصريحات للصحفيين وهو على متن الطائرة أن “الجميع يعلمون أن اسرائيل لا تزال لا تقبل بهذا الحل حتى الآن، لكننا نراه الحل الوحيد”. لا يمكن سلخ هذه التصريحات عن موقف الفاتيكان المعلن ضد الحرب الاسرائيلية على غزة ومناشدة البابا الراحل فرنسيس بضرورة محاسبة المسؤولين عن جرائم الحرب التي اقترفت ضد الفلسطينيين، ومناشدته بوقف الحرب وانهاء الاحتلال ولا يمكن الاستخفاف بوزن وتأثير هذه المواقف وتداعياتها في المحافل الشعبية والرسمية العالمية. قد يدّعي البعض أن موقف الفاتيكان الاخلاقي لا يكفي وحده لإحداث تحوّل في موازين القوى؛ وهذا صحيح، ولكنّه يبقى، من دون شك، صرخة عالمية ضرورية لمواجهة سردية صهيونية/ اسرائيلية حاولت وتحاول، ونجحت غالبًا، في تصوير الفلسطيني عائقا امام تحقيق السلام ومعتديا بدل أن يكون الضحية وصاحب الحق الأصلي.
لقد عرف قادة اسرائيل عبر التاريخ أهمية موقف الفاتيكان وخشوا منه دائما وحاولوا احتواءه أو التقليل من حدّته؛ فهم يعرفون أن أي موقف يعلنه الفاتيكان ضد سياساتهم سيتخطى تأثيره زعماء الدول المسيحية وسيصل الى شعوب العالم أجمعين لا سيما أتباع الكنيسة الكاثوليكية التي يصل عددهم الى مليار واربعمائة مليون نسمة؛ ويعرفون كذلك أن الفاتيكان ينظر الى قضية فلسطين بوصفها قضية تتجاوز حدود التعريفات السياسية ومعانيها النمطية ويعتبرها قضية انسانية عالمية تمس جوهر العدالة الانسانية نفسها.
لم يحمل البابا حلولا جاهزة للأزمة اللبنانية، وهو لا يملك أصلا قوة لتغيير الواقع على الأرض؛ لكن حضوره الى بيروت يشكل، في ذاته، دعوة الى استعادة ما تبقى من معنى للدولة ومعنى الشراكة المواطنية والكرامة الانسانية ومعنى العدالة، التي بدونها لا يستقيم الشرق ولا يستقر لبنان. وتبقى مسؤولية انقاذ لبنان على شعبه “فوجع الناس كبير” كما كتب مرسيل خليفة على صفحته للبابا وأضاف “خناجر الأعداء تغرس في أجسادنا تحت الركام، وفي جنوبنا ينهبون الأرض من ناسها، ونشهر أحزاننا صواري ناصعة”.
أمّا حول زيارة البابا لاون لتلك “المناطق المنكوبة” فلعلها تتم عندما يدعوه شيوخ الأزهر وأئمة العالم الإسلامي وعلماؤه لمثل هذه الزيارة؛ وغد لناظره قريب !
ولنضع الزيارة في قالبها المناسب، فقد كانت، في لحظتها الراهنة، حدثًا هادئًا سيترك أثره مثلما تترك صلاة النسّاك آثارها في الزهر وفي الغيم وفي السنابل. فالبابا لم يأت ومعه حلول جاهزة، لكنه جاء ليضع “إصبع توما” في خاصرة الجرح, وليهمس في آذان “الجند وكهنتهم وقيصر” أن: لا سلام من دون عدالة ولا عدالة من دون اعتراف بحق الفلسطينيين في دولة، ولا دولة من دون إنهاء الاحتلال. لقد جاء البابا محاولا أن يحمي، في لبنان وفلسطين وأبعد، آخر ما تبقى من “الكلمة” كي يكون الانسان انسانا قبل أن يكون قاتلا أم مقتولا.
للبنان، وقفة على تخوم السياسة والضمير جواد بولس
غادر البابا لاون الرابع عشر لبنان يوم الثلاثاء الماضي تاركا شرقنا نازفًا رغم صلواته من أجل تحقيق العدالة والسلام، ودعائه من أجل ضحايا الحرب والفقراء والمضطهدين.
يعتبر بعض المحللين أن الزيارة كانت مفاجئة وحمّالة لعدة تأويلات ونوايا مختلفة؛ وقد عتب البعض على البابا انه اكتفى بزيارة بيروت ومناطقها واستبعد مناطق أخرى منكوبة حيث فيها “ناس أوادم وشرفاء ومؤمنين حقيقيين وأصوات مناهضة للتبعيّة والفساد ومواجهة العدو المحتل” كما كتب على صفحته الفنان الكبير مرسيل خليفة، وأضاف ” يا ريت كان وقتك بيسمحلك لتبحث عنهم خارج البروتوكول المكبّل والمزيّن بورد الكنائس والأديرة والقصور والطرقات “المزفتّي” التي عبرت عليها مركبتك البيضاء”.
لم تختلف زيارة البابا الحالي عن زيارات الباباوات السابقين لمنطقتنا، فجميع الزيارات كانت “غير عادية” وتشابكت خلالها أنفاس اللاهوت بحبائل السياسة واختلطت فيها حكمة الفقهاء بدماء الأساطير. لقد حضر البابا الى لبنان ومعه رسالة المحبة ونداء العدل والصلاة من أجل السلام بين البشر ولم يتجاهل من كانوا بعيدين عن بيروت فقال لهم: “أحيي جميع مناطق لبنان التي لم أتمكن من زيارتها: طرابلس والشمال والبقاع والجنوب الذي يعيش بصورة خاصة حالة من الصراع وعدم الاستقرار ، أعانق الجميع وأرسل الى الجميع أمانيَّ بالسلام”. سمعه من سمع وأعرض عنه من أعرض، وبقي الشرق شرقا يولد أهله ويموتون على حد يقين يسيل منه الخيال؛ ففي لبنان قديما، كما في فلسطين، سقطت رسائل السماء وبقيت في الفضاءات نثارًا إلهيا وترك البشر على الأرض يلهثون وراء أقدارهم ويتقاتلون كل من أجل يقينه وفي خدمة سلطانه أو رب نعمته أو قيصره.
لم يقتصر الترحيب بالبابا لاون على الطوائف المسيحية اللبنانية، بل خرج جميع اللبنانيين لاستقباله وتوحدوا، رغم اختلافاتهم الكثيرة حول أمور جوهرية، في موقف عكس رغباتهم بالتمسك بلبنان الواحد. وقد كان موقف “حركة أمل” ودعوتها لجميع أنصارها الى رفع العلم اللبناني فقط اثناء الزيارة اشارة لافتة أكّدت فيها الحركة على ضرورة التفاف اللبنانيين حول دولتهم ورمز سيادتها. وكذلك كانت رسالة “حزب الله”، وترحيبه الواضح بمجيء البابا، عبارة عن تأكيد الحزب على أهمية الموقف البابوي وعلى ضرورته في هذه الأوقات العصيبة التي يعيشها لبنان وفلسطين وسائر شعوب المنطقة. وقد جاء في الرسالة: ” لقد سبق لسلفكم الأسبق، البابا يوحنا بولس الثاني، أن اعتبر لبنان ليس مجرد “وطن، بل رسالة”، وواقع الأمر يثبت أن لبنان بتكوينه المتنوع يمثل صلة ووصل حضاري بين أتباع الرسالتين السماويتين، المسيحية والاسلامية، وبين أتباع الاتجاهات الدينية والثقافية والعلمانية في كل دول العالم وقاراته”.
أثارت الزيارة ردودا متباينةً؛ فهناك من رأوها دفعة أمل في لحظة بؤس تاريخية أو كيلا من زيت السماء يمدّ مصابيح الشرق بقليل من نور ونفس. فحضور البابا الى لبنان في وقت كانت تهدد فيه حكومة اسرائيل باستئناف اعتداءاتها العسكرية على الأراضي اللبنانية، حمل رسالة بأن لبنان ليس أرضا يتيمة ولا عرضة لكل معتد ومارق، وأن انهياره الكامل ليس قدرًا، بل على أهله أن يجدوا دروبهم نحو الانعتاق والحرية والخروج من حالة التشرذم والتفتت والاختصام. وهناك، في المقابل، من انتقدوا الزيارة لأنها جرت وفق بروتوكولات رسمية قد تتيح لبعض السياسيين اللبنانيين المتورطين باذكاء نيران العصبية الطائفية وبالفساد وبالتواطؤ مع إسرائيل والمشاريع الأمريكية في المنطقة، تلميع صورهم وظهورهم الى جانب البابا كقادة للدولة وعنوانها السياسي الشرعي الوحيد. وهذا بالفعل كان وجهًا من وجوه المشهد.
لقد وجه البابا بزيارته بوصلة الفاتيكان نحو لبنان وذكّر بمحنته، لكنه لم يغفل سائر ظروف المنطقة المشتعلة، خاصة ما تمر به القضية الفلسطينية وشعبها الذي يواجه حربًا وحشية منذ أكثر من عامين. ليس من السهل أن نتتبع تاريخ علاقة الفاتيكان بالقضية الفلسطينية وموقفه من اسرائيل منذ لحظة قيامها حتى أيامنا هذه؛ لكننا نستطيع بالاجمال أن نقول بأن “الكرسي الرسولي” كان وما زال يشكل أحد أبرز الأصوات القليلة في الغرب التي لم تتخلّ يومًا عن إيمانها بمبدأ العدالة وضرورة احلاله على القضية الفلسطينية. ولطالما اعتبر الفاتيكان أن السلام في الشرق الأوسط لا يمكن أن يتحقق من دون حل عادل يضمن للفلسطينيين دولة مستقلة ويحفظ للقدس خصوصيتها الروحية والتاريخية. وقد عبّر الفاتيكان مرارا عن رفضه للاحتلال وممارساته بحق الفلسطينيين، مؤكدا أن أمن أي دولة لا يمكن بناؤه أو تحقيقه على حساب شعب آخر. قد لا يكتفي بعض العرب والمسلمين بهذه المواقف أو قد يستخفّون بها، لكنها تظل جزءًا من هوية الفاتيكان الاخلاقية والسياسية والعقائدية التي تجنّدها نصرة للحق الفلسطيني وتذكّر العالم بها وبأن سيادة القانون والعدالة ليسا وجهتي نظر.
لقد حرص البابا أن يؤكد وهو في طريقه الى لبنان، بأنّ الحل الوحيد للصراع المستمر منذ عقود بين اسرائيل والفلسطينيين يجب أن يضمن قيام الدولة الفلسطينية، وأضاف في تصريحات للصحفيين وهو على متن الطائرة أن “الجميع يعلمون أن اسرائيل لا تزال لا تقبل بهذا الحل حتى الآن، لكننا نراه الحل الوحيد”. لا يمكن سلخ هذه التصريحات عن موقف الفاتيكان المعلن ضد الحرب الاسرائيلية على غزة ومناشدة البابا الراحل فرنسيس بضرورة محاسبة المسؤولين عن جرائم الحرب التي اقترفت ضد الفلسطينيين، ومناشدته بوقف الحرب وانهاء الاحتلال ولا يمكن الاستخفاف بوزن وتأثير هذه المواقف وتداعياتها في المحافل الشعبية والرسمية العالمية. قد يدّعي البعض أن موقف الفاتيكان الاخلاقي لا يكفي وحده لإحداث تحوّل في موازين القوى؛ وهذا صحيح، ولكنّه يبقى، من دون شك، صرخة عالمية ضرورية لمواجهة سردية صهيونية/ اسرائيلية حاولت وتحاول، ونجحت غالبًا، في تصوير الفلسطيني عائقا امام تحقيق السلام ومعتديا بدل أن يكون الضحية وصاحب الحق الأصلي.
لقد عرف قادة اسرائيل عبر التاريخ أهمية موقف الفاتيكان وخشوا منه دائما وحاولوا احتواءه أو التقليل من حدّته؛ فهم يعرفون أن أي موقف يعلنه الفاتيكان ضد سياساتهم سيتخطى تأثيره زعماء الدول المسيحية وسيصل الى شعوب العالم أجمعين لا سيما أتباع الكنيسة الكاثوليكية التي يصل عددهم الى مليار واربعمائة مليون نسمة؛ ويعرفون كذلك أن الفاتيكان ينظر الى قضية فلسطين بوصفها قضية تتجاوز حدود التعريفات السياسية ومعانيها النمطية ويعتبرها قضية انسانية عالمية تمس جوهر العدالة الانسانية نفسها.
لم يحمل البابا حلولا جاهزة للأزمة اللبنانية، وهو لا يملك أصلا قوة لتغيير الواقع على الأرض؛ لكن حضوره الى بيروت يشكل، في ذاته، دعوة الى استعادة ما تبقى من معنى للدولة ومعنى الشراكة المواطنية والكرامة الانسانية ومعنى العدالة، التي بدونها لا يستقيم الشرق ولا يستقر لبنان. وتبقى مسؤولية انقاذ لبنان على شعبه “فوجع الناس كبير” كما كتب مرسيل خليفة على صفحته للبابا وأضاف “خناجر الأعداء تغرس في أجسادنا تحت الركام، وفي جنوبنا ينهبون الأرض من ناسها، ونشهر أحزاننا صواري ناصعة”.
أمّا حول زيارة البابا لاون لتلك “المناطق المنكوبة” فلعلها تتم عندما يدعوه شيوخ الأزهر وأئمة العالم الإسلامي وعلماؤه لمثل هذه الزيارة؛ وغد لناظره قريب !
ولنضع الزيارة في قالبها المناسب، فقد كانت، في لحظتها الراهنة، حدثًا هادئًا سيترك أثره مثلما تترك صلاة النسّاك آثارها في الزهر وفي الغيم وفي السنابل. فالبابا لم يأت ومعه حلول جاهزة، لكنه جاء ليضع “إصبع توما” في خاصرة الجرح, وليهمس في آذان “الجند وكهنتهم وقيصر” أن: لا سلام من دون عدالة ولا عدالة من دون اعتراف بحق الفلسطينيين في دولة، ولا دولة من دون إنهاء الاحتلال. لقد جاء البابا محاولا أن يحمي، في لبنان وفلسطين وأبعد، آخر ما تبقى من “الكلمة” كي يكون الانسان انسانا قبل أن يكون قاتلا أم مقتولا.
من المهم التنويه أن موقعنا يلتزم بالبند 27 أ من قانون الملكية الفكرية (סעיף 27א לחוק זכויות היוצרים). ويبذل قصارى جهده لتحديد أصحاب الحقوق في المواد المختلفة المنشورة لديه. وفي حال كانت لديكم اية ملاحظات تتعلق بحقوق الملكية، فيرجى الاتصال بنا للتوقف عن استخدامها عبر الخاص في هذه الصفحة او على ايميل: almasar@gmail.com


