د. نائلة تلس محاجنة: على حافة الصباح!

على حافة الصباح بمطبخي حين اختار الجمال أن يتأنى.. على حافة نافذةٍ لا تعرف أنها نافذة، تقيم نبتتي كما لو أنها فكرةٌ اختارت الجسد.. لا تُجادل الضوء، ولا تُساوم الزمن.. تكتفي بأن تكون… وكأن الكينونة، حين تكتمل، لا تحتاج تبريرًا.

أمسك فنجان “النس كافيه”، وأظنّ أنني أتأملها، ثم أتنبه – بحذر الباحثة – أنها التي تُعيد تهذيب بصري، وتدرّبني على قراءة البطء

بوصفه حكمة لا عجزًا.

حين أزهرت من جديد، لم يكن الإزهار مفاجأة، بل كشفًا.. زهرة واحدة، لكن لونها لا يعرف الواحدية.

يتدرّج… من عمق بنفسجي كثيف إلى بياضٍ يكاد يكون صلاة.. هذا التدرّج يربكني أكثر من اللون نفسه، لأنه لا يقفز من حالة إلى أخرى، لا يعلن تحوّلًا حادًا، بل يعبر المسافة بين الداخل والخارج

بأمانة كاملة. كأنها تقول: التحوّل الحقيقي لا يُلغِي ما قبله، بل يحتويه.

أتأمل بتلاتها المفتوحة وأشكّ… لا فيما ظهر، بل في ما لم يتفتح بعد.. في تلك البراعم التي تؤجّل قولها وكأنها تعرف أن المعنى لا يُقال دفعة واحدة

واتساءل: هل اللون هنا زينة؟ أم سيرة ذاتية مكتوبة بالصمت؟

هل هذا التدرّج إلا دليل على أن النقاء لا يولد فجأة، وأن العمق لا يتخلى عن ظلاله حين يقترب من الضوء؟

زهرتها لا تُدهشني فقط، بل تضعني أمام مرآة غير متوقعة:

كم مرة أردنا أن نكون واضحين دفعة واحدة، نقيّين دون تاريخ،  مضيئين دون مراحل؟ وكم مرة نسينا أن الجمال الصادق يمرّ عبر العتمة ولا يتنكر لها.

هذه النبتة لا تُجاور نافذتي فحسب، إنها تعيد تعريف علاقتي بالنمو، تعلّمني أن الروح، مثل اللون، لا تُختصر في درجة واحدة،

وأن الإزهار ليس لحظة وصول، بل انسجام دقيق بين ما نحتفظ به في العمق وما نسمح له أخيرًا أن يُرى.

أرفع فنجان “النس كافيه”، وهي تفتح زهرتها المتدرجة، وأفهم -بهدوءٍ متأخر- أن ما يبهرني حقًا ليس الاكتمال، بل الصدق في عبور المراحل!

 

من المهم التنويه أن موقعنا يلتزم بالبند 27 أ من قانون الملكية الفكرية (סעיף 27א לחוק זכויות היוצרים). ويبذل قصارى جهده لتحديد أصحاب الحقوق في المواد المختلفة المنشورة لديه. وفي حال كانت لديكم اية ملاحظات تتعلق بحقوق الملكية، فيرجى الاتصال بنا للتوقف عن استخدامها عبر الخاص في هذه الصفحة او على ايميل: almasar@gmail.com

زر الذهاب إلى الأعلى