الباحث والكاتب الصحفي سمير أبو الهيجاء: 11 كتابًا متنوعًا آخرها “الطريق الى مكة”.. حاوره: خالد أحمد اغبارية

منذ فترة تولّدت داخلي رغبة حديثة، لإجراء حوار مع الأستاذ الكاتب الباحث سمير أبو الهيجاء ابن قرية عين حوض، خاصة أن جُلَّ إصدارات تتحدث عن روايات شفوية عن النكبة الفلسطينية، وولعي أنا بتلك الروايات التي سجلها على مدار سنين عدّة ، وبما أنني رافقته في أكثرها، نجوب المدن والأرياف والمخيمات لنستمع إلى كبار السن ورواياتهم أيام النكبة وما قبلها.
** الكاتب والشاعر خالد اغبارية
أتتني فكرة أن أحاوره حوارا أدبيا ثقافيا مجتمعيا وإنسانيا حول إصداراته القيّمة، فكان لنا هذا الحوار الخاص لموقع وجريدة ,المسار” الفحماوية، وآمل أن أكون قد وُفّقت في ذلك وأن يضيف هذا الحوار لي وللقراء الفائدة المرجوّة .
– الأستاذ سمير عرفنا على الباحث والكاتب الذي بداخلك؟
– بداية اسمي سمير عبد الرؤوف أبو الهيجاء، ابلغ من العمر 70 عاما، وأعتبر من الجيل الثالث للنكبة، متزوج ولي إبنان وست بنات وستة عشر حفيدا، أنهيت تعليمي الثانوي في مدرسة راهبات الناصرة بحيفا، ودرست في الجامعة المفتوحة وفي عدة كليات، ولكن لم أوفق بالحصول على لقب أكاديمي، ثم انطلقت للعمل الحر لأسباب عائلية، مع أنني لم أترك الكتاب فكنت قارئاً نهماً حتى بلغت من العمر أربعين عامًا، قررت ومن خلال قراءتي لإحدى الصحف العربية مواصلة تعليمي في كلية لنيل شهادة صحفي، فكان ذلك عام 1995 في كلية المعاهد في مدينة أم الفحم، بعدها عملت في صحيفة صوت الحق والحرية وبعدة صحف أخرى مثل أيام العرب، الزمان، المرجان، وكذلك عملت بعدة مواقع الكترونية، وتقدمت في مجال عملي كثيرا حتى أصبحت أغطي صحفيا مؤتمرات خارج البلاد، وكنت مركزا لمجموعة المراسلين في الصحيفة.
وكنت أحمل داخلي حبا للكتابة والقراءة والتعلم من نجاح غيري حتى كان ذلك اليوم الذي طلب من محرر الملحق المرحوم بإذن الله الصحفي عبد الحكيم مفيد أن أعمل على زاوية خاصة باسم 50 عامًا على النكبة.
ومن هنا بدأت فكرة الكتابة للصحيفة فحسب، ومع حبي للموضوع فقد كنت أفكر في جمع هذه التقارير في كتاب وكنت أقول للمنكوب أني سأفكر في إصدار كتاب عن النكبة.
– حدثنا عن بدايات كتاباتك والتأليف؟
– بدأت الكتابة وكما ذكرت آنفا في الذكرى الخمسين للنكبة أي في عام 1998 وبدأت بمقابلة كبار السن الذين عاشوا النكبة وذاقوا مرارتها وعاشوا مرارة الفقدان والتهجير، فكانت بعض المواقف تهزني ويكاد أن يتفطر القلب لدى سماعها، وفي الحقيقة لم تكن تتوفر لدي في بادئ الأمر المصادر التاريخية، حيث لم يكن سوى معلومات من المؤرخ بيني موريس الذي ينقل الرواية الإسرائيلية ويتجاهل الرواية الفلسطينية، التي كنت أبحث عنها من صدور الرجال فكنت أوثق للتقارير وأحتفظ بها في أرشيفي الخاص، حتى كان ذلك اليوم الذي انطلقت الشرارة وصممت على إصدار أول كتاب بعنوان (أنا من هناك ولي ذكريات) عندها كانت التقارير منشورة في صحيفة صوت الحق والحرية، وكان ذلك عام 2013، حيث صدر الكتاب، لكن كانت قضية التوثيق قد جرت في عروقي كجريان الدم فأخذت أبحث عمن شهدوا النكبة في البلاد وخارج البلاد ليشمل مخيمات اللجوء والشتات.
– فكرة كتاباتك الرئيسية، وما الذي جعلك تكتب في هذا النوع؟
– جاءت فكرة كتاباتي بداية ولا أنكر من خلال عملي الصحفي، فعندما قابلت كمية كبيرة من المشردين والمنكوبين شعرت بأن هناك الكثير من الأمور المخفية ويجب على الفلسطينيين معرفتها، فكنا نتعرف على أي بلد من خلال مجزرة حصلت فيها مثل الطنطورة أو دير ياسين وغيرهما، والكثير يعتمدون على الرواية الإسرائيلية.
وقد لاحظت أن فلسطين كانت بلدًا نابضًا بالحياة، فكان فيها العلم والثقافة وكان فيها المسارح وكان فيها المطابع وصحف وموانئ، وكان فيها فريق كرة قدم يتنافس مع فرق عالمية، فقررت أن أبحث عن الحقيقة التي تكاد تتجمد في صدور المهجرين.
– حدثنا عن عناوين إصداراتك، عن ماذا تتحدث؟ وكم عددها؟
– أصدرت 11 كتاباً بعناوين مختلفة مثل (أنا من هناك ولي ذكريات) وهو الكتاب الأول ثم كان كتاب (الترانسفير المقنع) وكتاب (حكايات صمود) الذي يتحدث عن الأسرى الأمنيين المحررين وبنفس الروح كتاب (شموخ الأحرار) الذي يتعرض لمعاناة الأسرى الفلسطينيين، وكتاب (عين حوض ستبقى تشهد) يتحدث عن قرية عين حوض المهجرة. ثم كتاب (الشيخ الصامد) الذي يتحدث عن مؤسس عين حوض الجديدة. وكتاب (اللجوء القسري) وهو عبارة عن توثيق شهادات شفوية للنكبة الفلسطينية.
كذلك كتاب (حراس الذاكرة) وكتاب (إلى فلسطين)، وكتاب (لما إمي تحكيلي) وهو عبارة عن سيرة ذاتية لأمي المهجرة والتي تزوجت مهجرا وهو باللغة المحكية. وكتاب (روايات أجدادنا عن نكبة بلادنا). وآخر كتاب كان بعنوان (الطريق الى مكة) وهو كتاب خاص يروي مسيرة العمرة من خلال رسائل موجهة.
– ما هي الرسالة التي تحاول إيصالها للجمهور؟
– خلال بحثي في أمهات الكتب عن أي شيء يخص النكبة تاريخيا، عثرت على أقوال لوزير خارجية أمريكا 1939- 1945 يقول فيها: إذا أردت أن تلغي شعبا ما تبدأ بشل ذاكرته التاريخية ثم تشوه لغته وثقافته وتجعله يتبنى ثقافة أخرى غير ثقافته، ثم تلفق له تاريخا أخر غير تاريخه وتعلمه إياه عندئذ ينسى هذا الشعب من هو ومن كان، وتندثر معالم حضارته ..كورديل هل (وزير خارجية أمريكا في ثلاثينيات القرن الماضي) فأدركت أن النكبة لم تبدأ عام 1948 فهناك من يعمل على النكبة قبل وبعد هذا التاريخ لذلك يجب أن يعلم الفلسطينيون والعالم أجمع أننا لا ننسى مدننا وقرانا التي دمرت وأصبحت أثرًا بعد عين وأن العالم يجب أن يعرف المثل الشعبي (ما بتروح دينه ووراها مطالب).
ويجب أن تصل الرسالة لكل واحد في المجتمع أن المكتبة العربية تفتقر للرواية الشفوية ويجب إثراءها وعدم الاعتماد على الرواية الإسرائيلية التي تكون دائما مخدوشة. كما أغلقت المؤسسة الإسرائيلية الصحيفة التي كنت أعمل بها وهي مصدر رزقي وأن رسالتي تتضمن عدم الخنوع للمشاريع التي تتغذى من قول كرديل هيل فنحن شعب عريق أصلاني له جذور وحضارة.
– لماذا قررت أن تصبح كاتبا؟ وما هي أهدافك كمؤلف؟
– كان قراري أن أصبح كاتبا بعد أن تقدمت في العمر وتزامن ذلك مع تعرضي لنوبة صحية وبنفس الوقت أغلقت المؤسسة الإسرائيلية الأمنية الصحيفة التي كنت أعمل، وكانت مصدر معيشتي وكنت قد بلغت من العمر 60 عاماً وكان من الصعوبة بمكان أن أجد عملا بهذا الجيل فقررت أن أواصل توثيقي للنكبة، فخضت في هذا المجال بقوة وبإصرار تحت هدف واحد أن العالم يجب أن يعرف الحقيقة المغيبة حتى عن الأجيال الصغيرة الفلسطينية.
جُلّ أهدافي هي أن تتسع دائرة المعرفة عند الأجيال القادمة وقد كنت قد أعلنت عبر وسائل التواصل الاجتماعي عن استعدادي للمساعدة المجانية لكل من يرغب الكتابة أو التعلم عن النكبة وتاريخها، وفعلا كان لدي توجهات من الأردن ومن الداخل ومن خارج البلاد فكان لدي توجه من ليبيا ومن طلاب من بلادنا.
– سمير أبو الهيجاء كتب الكثير من الكتب، هل هدف الكاتب الكتابة، أم الظهور والتحول إلى شخصية عالمية مشهورة؟
– في الحقيقة أن كل كاتب أو مؤلف يحب الظهور، مع العلم أن سمير أبو الهيجاء لا يشكل الظهور الشخصي عالميا، ومن خلال الكتابة ربما يكون ذلك صحيح لأجل أن يتعرف الوطن العربي والعالم برمته على نكبة فلسطين، أما بالنسبة للأمور الشخصية فلا يحب الألقاب مثل دكتور أو كذا وكذا، بالرغم أني حصلت على شهادتيّ دكتوراة فخرية، لكن لم تعلق على الحائط ولا أوليها أهمية، أريد التعرف على سمير أبو الهيجاء من خلال الكتابة وفقط الكتابة.
– هل واجهتك صعوبات أثناء رحلة الكتابة؟
– لا بد أن يكون صعوبات في رحلة عمل من هذا النوع وقد كانت كثيرة مثل سفري مئات الكيلومترات لأجري مقابلة مع شخص، رجلا كان أو امرأة، وعندما أصل يعتذر، وهذا كان يضيق صدري به، زد على ذلك الخوف من البعبع الصهيوني، حتى اليوم يخافون أن يذكروا النكبة ولو في حديث عابر، وكان بعض الصعوبات من نوع آخر وهو التشكيك بك ككاتب أنك مبعوث من جهة معينة فيلتزم الصمت، وقد حصل معي في إحدى الجولات في مخيم الفارعة وصلت إلى مربٍّ متقاعد رفض أن يتكلم معي خوفا، وعرفته عن نفسي ولم يقتنع وعدت إلى البيت بخفي حنين، وبعد فترة بسيطة اتصل بي صديق وقال أن الرجل وافق على تسجيل شهادة وفي اليوم الموعود وبعد سفري لأكثر من 30 كم اتصل بي صديقي وقال أن الرجل غادر البيت، هذه كانت أنموذج من الصعوبات عدا الصعوبات الأمنية على الحواجز العسكرية الإسرائيلية.
– هل الكتابة عند أبو العبد هواية أم موهبة، حدثنا عن إحدى الروايات التي أثّرت في نفسك باختصار؟
– لا أستبعد أن يكون الخياران صحيحان، فأذكر أن أول مرة وقفت أمام جمهور لألقي كلمة كانت في حفل سنوي لمدرسة عين حوض أمام الأهالي عندما كنت في الصف الأول ابتدائي حيث رفعني المعلم على طاولة لأستطيع مخاطبة الناس وقال لهم أني أتوسم بها الطفل خيرا ربما يكون له مستقبل زاهر، وربما أحسب الكتابة هواية فأنا أصبحت مولعا في الكتابة وأبحث عن أي شيء أكتبه أو أقرأه.
– هل ترى في أن عملك دقيق وواقعي، وهل تحبذ العمل بمفردك أم مع فريق؟
– لا أشك في جودة عملي ودقته بنسبة 1%، لأني أعرف ما أكتب وقد تعودت على دقة الكتابة والتحقق من صحتها من خلال عملي في الصحف، فأنا لا أقبل أن يكون أي عمل لي فيه شائبة وتنقل خطأً للقارئ، فمثلاً كان من الشهود من قرية عين حوض كانوا يذكرون شهيد من عين حوض لكن لم يكن هناك من يحدثني عن الشهيد أي معلومة حتى استطعت أن أجد له ابنًا في الأردن، فسافرت خصيصاً اليه لأجلب صورة الشهيد، وليحدثني عن حيثيات استشهاده، فأي معلومة أتحقق منها من عدة شخصيات، وبالنسبة للعمل فلا يستطيع المؤلف العمل بمفرده سوى في مكتبه وخلف حاسوبه، فأنا على سبيل المثال كان وما زال الأستاذ خالد اغبارية يرافقني في جُلّ جولاتي إلى المدن والقرى الفلسطينية لإجراء مقابلات، كذلك له أثر في تدقيق بعض الكتب وهذه دلالة على أن المؤلف بالتالي هو إنسان يحتاج لمساعدة.
– في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة، هل الأستاذ سمير متصالح مع دور النشر والتوزيع، أم أنه يتوجه لمطابع خاصة؟
– في الحقيقة أنا لي موقف من دور النشر بعد أن كانت لي تجربة أولى مع إحدى دور النشر، وهنا لا أقصد التعميم فقد تعاقدت مع دار نشر لطباعة 500 نسخة لأحد كتبي وأحصل على حصتي 10% وفعلا حصلت على 50 كتاب، بعدها اكتشفت أن المطبعة طبعت 1000 نسخة، وهذا الأمر سمعته من كثير من المؤلفين، الأمر الذي دفعني أن أتوجه إلى مطابع خاصة وأطبع على نفقتي الخاصة رغم صعوبة الطبع بالوقت المناسب لعدم توفر سيولة وذلك لعدم وجود مؤسسات تدعم المؤلفين.
– كلمة أخيرة من الباحث سمير أبو الهيجاء، لقرّائه للأدباء، ولمن حاورهم في إصداراته؟
– أقول لقرائي الأعزاء شكرا لكم لاقتناء كتبي وشكرا على ثقتكم بي وبكتاباتي التي وعدتكم وأعدكم أن تكون الحقيقة التي لا تشوبها شائبة، بحيث لا يحتاج القارئ إلى التأكد من المعلومات الواردة في كتبي، أما رسالتي للأدباء فأقول اتقوا الله في كتاباتكم وتحروا صدق المعلومة ودقتها لننقل إلى القارئ الحقيقة التي لا تشوبها شائبة، أما لمن حاورتهم فأقول بوركتم وبورك عملكم وأن يحتسب الله تعبكم في الهجرة ومرارة العيش في ميزان حسناتكم وأخيرا أقول علموا أولادكم وأحفادكم حب الوطن.
من المهم التنويه أن موقعنا يلتزم بالبند 27 أ من قانون الملكية الفكرية (סעיף 27א לחוק זכויות היוצרים). ويبذل قصارى جهده لتحديد أصحاب الحقوق في المواد المختلفة المنشورة لديه. وفي حال كانت لديكم اية ملاحظات تتعلق بحقوق الملكية، فيرجى الاتصال بنا للتوقف عن استخدامها عبر الخاص في هذه الصفحة او على ايميل: almasar@gmail.com