البروفيسور احمد محمود اغبارية: عندما كان المربّي مثقّفًا..!

قد لا يستوعب المرء حجم الهوّة الثّقافيّة التي تفصل معلّمي اليوم عن أقرانهم في فترة الحكم العسكريّ، هؤلاء، يكفيهم شرفًا أنّهم شكّلوا جسرًا ثقافيًّا ربط ما قبل النّكبة بما بعدها.

وقد تعلّمت الكثير عن هذه الفترة وعن شخصيّة العديد من المعلّمين فيها من خلال ما كنت أسمعه من عمّي المرحوم، الأستاذ والمربّي أحمد يوسف عبد الرّزّاق (أبو خالد)، وذلك خلال زياراته الدّوريّة إلى البلاد، فقد كان قد سافر إلى الولايات المتّحدة في العام 1958. وهي السّنة نفسها التي وَفد فيها على أمّ الفحم معلّم قدير سيكون له شأن كبير على أمّ الفحم والمنطقة، هو الأستاذ والمثقّف زكي الكرمي (1904-1986)، أبو اليسار.

الأستاذ زكي هو ابن عمّ الشّاعر الفلسطينيّ الكبير عبد الكريم الكرمي (أبو سلمى)، وعَلَم كبير من أعلام الأدب والفكر والتّربية في فلسطين، ولا زالت الأجيال تشير إليه بالبنان كأحد الكبار الذين عرفتهم أمّ الفحم في فترة من أحلك الفترات.

تحمّل مع عدد من زملائه المعلّمين، من ذوي الحسّ الوطنيّ ومن القابضين على الجمر، مسؤوليّة الثّقافة والتّوعية في فترة ما بعد النّكبة، وتحديدًا، بعيد الانهيار المدوّي للبنية التّحتيّة الثّقافيّة للمدن الفلسطينيّة خلال نكبة 1948. مثقّف مثير للدّهشة في سعة اطّلاعه وغزارة معرفته التي شملت القديم والحديث، العربيّ والأجنبيّ. وهو إلى جانب ذلك، معروف بانفتاحه الفكريّ، بإحساسه النّقديّ العميق، بأريحيّته ودماثته، فضلًا عن كونه العلمانيّ الأبرز في فترة كانت فيها أمّ الفحم تموج بتيّارات مختلفة من العلمانيّين؛ من شيوعيّين، أبناء بلد وقوميّين وحتّى ماويّين.

وَفد الأستاذ زكي على أمّ الفحم في أواخر الخمسينات قادمًا من مسقط رأسه، طولكرم (من هنا، اسم العائلة- الكرمي)، وعمل فيها مدرّسًا لسنوات طويلة، وطاب له المقام في أمّ الفحم فأحبّها وأحبّته، وظلّ فيها إلى أن وافاه الأجل في أواسط الثّمانينات بعد حياة ثقافيّة ثريّة وحافلة.

وخلال مكوثه في أمّ الفحم، أغنى الحياة الثّقافيّة والتّربويّة فيها، ناهيك عمّا خلّفه من خفّة ظلّ يكاد لا يجاريه فيها أحد، فقد كان صاحب نكتة ودعابة، وله الكثير من المواقف الطّريفة التي لا يزال الفحماويّون يتندّرون بها نقلًا عنه..!

 

من المهم التنويه أن موقعنا يلتزم بالبند 27 أ من قانون الملكية الفكرية (סעיף 27א לחוק זכויות היוצרים). ويبذل قصارى جهده لتحديد أصحاب الحقوق في المواد المختلفة المنشورة لديه. وفي حال كانت لديكم اية ملاحظات تتعلق بحقوق الملكية، فيرجى الاتصال بنا للتوقف عن استخدامها عبر الخاص في هذه الصفحة او على ايميل: almasar@gmail.com

زر الذهاب إلى الأعلى