د. رافع يحيى: انكسار القوة وصعود الرواية الفلسطينية.. قراءة في الفشل الإسرائيلي في غزة!

منذ بداية الحرب الأخيرة على غزة، وجدت إسرائيل نفسها أمام مأزق عميق يتجاوز حدود الميدان العسكري. ورغم ما تمتلكه من ترسانة عسكرية متطورة ودعم سياسي غربي تقليدي، إلّا أنّ نتائج المواجهة جاءت معاكسة للتوقعات، وأظهرت محدودية القوّة الإسرائيلية في فرض معادلات جديدة على الأرض. فقد راهنت إسرائيل على سرعة الحسم عبر الضربات الجوية والبرية، غير أن صمود حماس، ومرونتها الميدانية، قلب الحسابات رأساً على عقب، وحوّل الحرب إلى اختبار صعب لمكانة إسرائيل الإقليمية والدولية.

في الميدان، لم تنجح إسرائيل في تحقيق أهدافها المعلنة، سواء في القضاء على البنية التحتية لحماس أو في فرض سيطرة شاملة على غزة. بل على العكس، تكبد جيشها خسائر متزايدة، وبرزت حالة من الارتباك في إدارة العمليات، إلى درجة جعلت الشارع الإسرائيلي يعيش قلقاً دائمًا من طول أمد المواجهة وانعدام أفقها. هذا الفشل العسكري لم يعد شأنًا داخليًا فقط، بل انعكس على صورة إسرائيل في الخارج، حيث بدأت الشكوك تتزايد بشأن قدرتها على ردع الفلسطينيين وفرض شروطها السياسية.

لكن الجانب الأكثر خطورة على إسرائيل لم يكن في ساحة المعركة وحدها، بل في الحلبة الدولية. فصور الدمار الهائل، واستهداف المدنيين، ومشاهد الأطفال تحت الأنقاض، فجّرت موجة غضب غير مسبوقة في العالم. هذه الصور لم تعد تمر عبر الفلاتر الإعلامية التقليدية التي كانت تميل لصالح إسرائيل، بل انتشرت عبر وسائل الإعلام المستقلة ومنصات التواصل الاجتماعي، لتصنع رأيًا عامًا عالميًا أكثر حساسية تجاه معاناة الفلسطينيين. ومع تراكم الضغوط الشعبية، وجدت حكومات كثيرة نفسها مضطرة لإعادة النظر في مواقفها.

لقد بدأ الانقلاب الحقيقي في الموقف الدولي عندما خرجت أصوات في أوروبا وأميركا اللاتينية وحتى داخل الولايات المتحدة، تنتقد السلوك الإسرائيلي علنًا، وتصفه بجرائم حرب. بل إنّ بعض الدول ذهبت إلى خطوات عملية، كاعترافها بدولة فلسطين أو تعليق التعاون العسكري مع إسرائيل.

وهنا يمكن القول إن الحرب في غزة أعادت وضع القضية الفلسطينية في قلب الأجندة الدولية بعد سنوات من محاولات التهميش.

في هذا السياق، تحولت السردية التي طالما اعتمدت عليها إسرائيل – بوصفها الضحية التي تدافع عن نفسها – إلى عبء ثقيل. فالعالم بدأ يرى إسرائيل كقوة احتلال تمارس القمع والتدمير ضد شعب أعزل، بينما الفلسطينيون، على الرغم من قلة إمكاناتهم، باتوا رمزًا للصمود والحق المشروع في الحرية..

هذا التحول في الإدراك العالمي يشكل انتصاراً استراتيجياً للفلسطينيين، لأنه يفتح أمامهم مساحات أوسع للدفاع عن حقوقهم على المستويين السياسي والقانوني.

ومن هنا يمكن القول إنّ الفشل الإسرائيلي لم يكن فشلًا عسكريًا فحسب، بل دبلوماسياً وأخلاقيًا أيضًا فقد خسرت إسرائيل جزءًا كبيرًا من رصيدها في الغرب، بينما حاز الفلسطينيون تعاطفًا متزايدًا، ساهم في إعادة الاعتبار لقضيتهم، وربما في تمهيد الطريق لتغييرات ملموسة في السياسات الدولية تجاه الصراع.

إنّ ما يحدث اليوم يعكس تحوّلًا عميقًا في الوعي العالمي، حيث باتت معركة غزة نقطة فاصلة أعادت رسم موازين القوى على مستوى الخطاب الدولي.

وإذا كانت إسرائيل قد فشلت في تحقيق انتصار ميداني حاسم، فإنها تواجه الآن عزلة سياسية متنامية قد تكون أخطر من أي خسارة عسكرية، لأنها تمس صورتها ومكانتها كدولة قادرة على فرض إرادتها.

وفي المقابل، يخرج الفلسطينيون من هذه المواجهة وهم أكثر حضورًا على الساحة العالمية، مدعومين بوجدان إنساني واسع يرى في قضيتهم معركة حق وعدالة لا يمكن تجاهلها.

 

من المهم التنويه أن موقعنا يلتزم بالبند 27 أ من قانون الملكية الفكرية (סעיף 27א לחוק זכויות היוצרים). ويبذل قصارى جهده لتحديد أصحاب الحقوق في المواد المختلفة المنشورة لديه. وفي حال كانت لديكم اية ملاحظات تتعلق بحقوق الملكية، فيرجى الاتصال بنا للتوقف عن استخدامها عبر الخاص في هذه الصفحة او على ايميل: almasar@gmail.com

زر الذهاب إلى الأعلى