د. رافع يحيى: قيّموا الإنسان بما يستحق، لا بما يدّعيه

ليس ترامب وحده مُصابًا بداء العَظَمة؛ فهو سياسيٌّ معروف، ورئيسُ دولةٍ ذات شأن، ولعلّ هذه المكانة تدفعه إلى ذلك، على خلاف رؤساء آخرين يُفضّلون الهدوء والظلّ. وفي هذا المقام نجد في مجتمعاتنا بعض النماذج الفتّاكة والمفترسة التي تُصنِّف نفسها ضمن طبقة العظماء، رغم أنّها لا تملك من الرصيد الفكريّ أو القيميّ ما يؤهّلها لذلك.
إنّ هذا السلوك الأخرق، إن دلّ على شيء، فإنّما يدلّ على جنونِ عظمةٍ يقابله فراغٌ في الفكر، وصِفرُ رصيدٍ في المواقف. وما يزيد الطين بلّةً هو ذلك التصفيقُ المفرط الذي يُوجَّه إلى هؤلاء، فيُغذّي أوهامهم ويرفع هرمونات الغرور لديهم.
يا جماعة، لا تُنافِقوا! دعوا التاريخ يقول كلمتَه كاملةً، وقَيِّموا الإنسان بما يستحقّ، لا بما يدّعيه.
أحبّ دائمًا أن أستحضر في هذا السياق مثالَ الزيتونة وبيتِ القرع؛ فالزيتونةُ تنمو ببطءٍ وهدوءٍ، لكنّها ثابتةُ الجذرِ، دائمةُ العطاء، أمّا بيتُ القرع فينمو بسرعةٍ لافتة، غير أنّه سرعان ما يذبل ويزول.
التفتوا إلى أولئك الذين يعملون في صمتٍ وعمقٍ، يُخلصون في العطاء دون انتظار المقابل، ويبتعدون عن التمثيل والتصنّع واستعراض العظمة.
هناك من يساعد الناس بصمت، وهناك من يقرأون مئات الكتب في عزلةٍ هادئةٍ، دون أن يُحدِثوا ضجيجًا أو يُطالبوا بتصفيق.
هناك علماء يعملون وينتجون بصمت، مؤمنين بأنَّ العملَ الجادَّ لا يحتاج إلى أضواءٍ تُبرزه، بل إلى ضميرٍ يُنيره.
وهناك من يصنعون الخيرَ بصمتٍ خالصٍ، لا ينتظرون شكرًا ولا جزاءً، لأنَّ الخيرَ في أعينهم فطرةٌ لا مكرمة.
وهناك من يتطوّعون بصمتٍ وصدقٍ، ومن يكظمون الغيظَ حفاظًا على نبل أرواحهم، ومن يُكرّسون حياتهم لإصلاح مجتمعاتهم وبنائها بهدوءٍ وأمانةٍ وإخلاص.
إنّهم يعملون كثيرًا، ويتحدثون قليلًا، ويؤمنون بأنَّ القيمة الحقيقية لا تُقاس بالصوت العالي، بل بالأثر العميق. وهناك نماذج أخرى كثيرة…
هؤلاء نُجلّهم، هؤلاء نحترمهم، هؤلاء نحبّهم.
أمّا المصابون بجنون العظمة، أولئك الذين يبيعون الوهم ويشترون التصفيق، فإلى هوامش التاريخ، فذلك ما يستحقّونه.
من المهم التنويه أن موقعنا يلتزم بالبند 27 أ من قانون الملكية الفكرية (סעיף 27א לחוק זכויות היוצרים). ويبذل قصارى جهده لتحديد أصحاب الحقوق في المواد المختلفة المنشورة لديه. وفي حال كانت لديكم اية ملاحظات تتعلق بحقوق الملكية، فيرجى الاتصال بنا للتوقف عن استخدامها عبر الخاص في هذه الصفحة او على ايميل: almasar@gmail.com