شوقية عروق منصور: رأس الرئيس بين يدي!

أصابع الحلاق تحطم الاسوار المحيطة والهالة المخيفة،  يقتحم غابة الشجاعة بجرأة مذعور شعر أنه تورط في لحظة، فسقط في بحيرة العسل التي قد تتحول الى بحيرة كبريت لا يستطيع الفرار منها، الموت امامك، خلفك، يزنرك من كل الجهات، هذا هو قدرك.

يبدأ رحلة الخوف فوق الشعر والذقن،  وبين المقص والموس الحاد تكون مسافة الغيمة، هل ستمطر دماً أم عطراً، حباً أم كرهاً، غطرسة أم تواضعاً.

كنت دائماً أتساءل عن الحلاق الذي يقص الشعر ويحلق ذقن الزعيم، الحاكم، الملك، الرئيس، القائد، عن علاقة الأصابع بهذه المسافة القصيرة التي قد تؤدي الى الخلاص، عن القرب لدرجة الذبح والطعن تجعلنا نسأل بحذر الى أي حد كانت شفرة الموس تتوهم أنها تستطيع ذبح العنق، أو كان رأس المقص يتسلل تحت معزوفة الطقطقة الى الصدر، فيغرس في خانة القلب الذي يخون يومياً المبادئ التي كانت يوماً تخرج من هناك على سلالم لسانه .

قد يقوم الحلاق بواجب الثورة وتخليص الشعب من حاكمه، لكن لم نسمع عن حلاق أنهى حياة حاكمه بقدر ما سمعنا اسراراً تفيض على ارصفة الثرثرة التي تزيد من توهج الحاكم.

صوراً عابثة في زمن عبثي، لكن حقاً ليس من تأثير الأقلام الخيالية، أو هي جزءاً من انتقام لقهر توحش الى حد التخيل، لكن كان سؤالاً يطوف في الذهن عندما أرى الرئيس أو الملك أو الحاكم مصففاً شعره – الشعرة على الشعرة – وذقنه تلمع في الوقت الذي قراراته وتصرفاته وخطاباته وأفعاله مظلمة وظالمة، ولا تتأثر تسريحة شعره برياح الحرب ولا تتلوث بالدم، والادهى صبغ الشعر باللون الأسود حتى تبقى روح الشباب مشتعلة في الشعر، أما داخل الرأس فكل شيء منطفئ حتى سراديب الإنسانية قد كسرت الأضواء وأغلقت الأبواب .

كان بعض حلاقي الملوك في أوروبا أيضاً يعملون الى جانب الحلاقة أدوراً عدة، منها الجاسوسية والتهريج والترفيه عن الملك، ومنها الطبابة والعلاج .

ويقال أكثر شخص يعرف حقيقة الحاكم والملك هم خدمه والعاملين في قصره، لأنهم يرونه في كافة صوره العادية البعيدة عن البريق الإعلامي والصور المزخرفة والديكورات الجميلة، واذا كان، الفيلم المصري “طباخ الريس” جاء ليلقي الظلال على حياة رئيس الذي يعيش بين رجال يزيفون له الواقع البائس ويقدمون له التقارير الكاذبة، ويكتشف من خلال الطباخ أنه لا يعرف شيئاً عن شعبه، وأن الطباخ كان دليله الى الحقيقة، وقد هاجم الاعلام هذا ،الفيلم بحجة أنه يريد تبرئة مبارك، كأن الريس في ،الفيلم هو فعلاً مبارك.

استيقظ الشعب الفرنسي يوما على وسائل الاعلام التي نشرت أخبار حلاق الرئيس الفرنسي الذي يتقاضى عشرة آلاف يورو، هذا المبلغ الباهظ، وقد صرح قصر الأليزيه بأن الحلاق يصفف شعر الرئيس كل صباح وقبل كل ظهور علني له، كما أنه يرافق الرئيس في سفرياته، وأنه ملزم بالحفاظ على السرية .

وقبل سنوات عرض حلاق الرئيس ” ياسر عرفات ” أنور محمد بكير ” بعض الصور التي تجمعه مع الرئيس عرفات مع بعض الذكريات، وقد أعلن أنه قام بتصفيف شعر أبو مازن. ولم يعلق شيئاً كأنه نذر نفسه للصمت .

والحلاق “محمود لبيب” – حلاق الرؤساء في مصر، قال أن الرئيس  حسني مبارك صموت لا يتكلم، يبقى صامتاً أثناء حلاقة شعره،  بينما السادات كان يهدد ويتوعد ويشتم الشعب، عندما اندلعت” انتفاضة الحرامية” – كما أطلق عليها السادات عام 1977 بعد اصدار قرارات رفع أسعار بعض السلع الأساسية. وكانت ملاحظته أن السادات لم يصبغ شعره أبداً، مع أننا نعرف ان السادات قد صبغ الثورة المصرية وشخصية جمال عبد الناصر باللون الأسود .

أما الرئيس جمال عبد الناصر فقد كان يسأل عن أولاد الحلاق وتعليمهم، المرة الوحيدة التي خالف فيها “الريس” عندما طلب منه قص سوالف أبنه خالد، لكن خالد رفض ووقف الحلاق الى جانب ابن الريس . وقبل سنوات توفي الحلاق “محمود لبيب”.. وقد كتبت الصحف أنه كان خزانة اسرار جمال عبد الناصر، وقد رفض الحديث عن الاسرار رغم الاغراءات المادية .

نسمع عن الحلاقين الذين يرافقون الفنانين والمشاهير، لكن أشعر أن حلاقي الرؤساء والزعماء والملوك لهم الوضع الخاص، لأنهم وحدهم يملكون رؤوس ورقاب هؤلاء في لحظات خارجة عن زمنهم، زمن القوة والتهديد والعجرفة، الزمن الذي يملكون فيه رقاب ورؤوس العباد.. فهل نسمع عن حلاق يخلصنا من بعضهم، او يجرحه حتى يشعر بألم الشعب الذي يجرحه ويطعنه يومياً؟!

 

من المهم التنويه أن موقعنا يلتزم بالبند 27 أ من قانون الملكية الفكرية (סעיף 27א לחוק זכויות היוצרים). ويبذل قصارى جهده لتحديد أصحاب الحقوق في المواد المختلفة المنشورة لديه. وفي حال كانت لديكم اية ملاحظات تتعلق بحقوق الملكية، فيرجى الاتصال بنا للتوقف عن استخدامها عبر الخاص في هذه الصفحة او على ايميل: almasar@gmail.com

زر الذهاب إلى الأعلى