د. محمود علي جبارين: أنماط الأهل في المدارس.. هل تعرف نمطك أنت؟

هل فكّرت يوماً أنك عندما تعبر بوابة المدرسة بصفتك “أباً” أو “أماً”، فإنك لا تظهر فقط كشخص، بل كنمطٍ كامل يحمل معه ذكرياتك، طفولتك، مخاوفك، توقعاتك، وحتى الجراح العميقة؟!

يُعدّ التواصل بين المدرسة وأولياء الأمور أحد أهم ركائز العمل التربوي؛ فهو علاقة تتداخل فيها المعرفة، والمواقف، والتوقعات، والمشاعر أيضاً. فالأهل لا ينظرون إلى المدرسة باعتبارها مؤسسة تعليمية فحسب، بل بيتاً ثانياً يذهب إليه أبناؤهم ليكتسبوا المعرفة والقيم والتجربة الحياتية.

ومن هنا تنشأ أنماط متعددة في تعامل الأهل مع المدرسة؛ بعضها مساند وداعم، وبعضها الآخر متوتر أو متطلب أو متجنب. وهذه الأنماط ليست قرارات لحظية، بل تتجذّر غالباً في الخبرات الشخصية، وذكريات الطفولة، وأنماط التربية التي عاشها الوالدان أنفسهم.

لنتساءل هنا: بأي مظهر تحب أن تظهر؟

وهل ستختار هذا النمط الذي ستظهر به، أم أنه مشرب في الأعماق والضلوع منذ صغرك أو منذ أن كنت طالباً؟

هل ستفصل بين كونك طالباً يوماً ما وبين كون ابنك طالباً، وكيف ستكون ردة فعلك بحال الأزمات التي تشبه أزماتك وأنت طالب؟

إن العلاقة بين الأهل والمدرسة يحكمها بُعد عاطفي، والبعد العاطفي يحدد الميل والاتجاه ويعبر عنه بالسلوك، ليصبح نمطاً يحدد سلوكك مع المدرسة بكل مكوناتها. يقول الباحث يزهار أوبلاتكا :

“يعتبر الأهل اختيار المدرسة عملية عاطفية ومعقدة، وليست مجرد قرار عقلاني بسيط.”

ويؤكد أيضاً أن المشاعر جزء مهم جداً في تحديد العلاقة، وعلى المديرين أن يتعاملوا بمهنية عالية مع هذه الفرضية، حيث أضاف قائلاً:

“على المديرين والمعلّمين أن يدركوا البُعد العاطفي في تواصلهم مع أولياء الأمور، لأن المشاعر جزء لا ينفصل عن العمل التربوي.” وبناءً على هذا تتحدد الأنماط المختلفة للأهل وتتنوّع.

ما المقصود بـ “النمط”؟

النمط هو طريقة ثابتة نسبياً في التفكير أو الشعور أو السلوك، يتبنّاها الفرد عند تعامله مع المدرسة. وقد يكون هذا النمط اختياراً واعياً، وقد يكون دفيناً في الشخصية ومتأثراً بتجارب قديمة مرّ بها الأهل في طفولتهم أو خلال مسيرتهم المدرسية.

فحسب الباحثة جويس أبستين Joyce Epstein: “يشارك الأهل في المدارس بطرق مختلفة: منهم من يراقب، ومنهم من يدعم، ومنهم من يقود، ومنهم من يتجنّب. وفهم هذه الأنماط ضروري لبناء شراكة فعّالة.”

إذا ما استطاع قائد المدرسة تحديد النمط الذي يتعامل معه فهو بذلك يُنشئ شراكة فعّالة تقود إلى تحقيق الأهداف المرجوة من خلال كشف سلوك الطلاب المتأثر بالأهل ومحاولة توجيهه لما يتطابق مع تطلعات المدرسة لبناء مخرجاتها حسب أهدافها.

وهذا ما أكده كل من آن هندرسون وكارين ماب – Henderson & Mapp: “تأتي العائلات إلى المدرسة بتوقعات مختلفة: منهم من يطالب، ومنهم من يراقب، ومنهم من يشارك، ومنهم من ينتقد. والمدارس التي تتعرّف على هذه الأنماط تنجح في التواصل بشكل أفضل.”

كما أكدت الباحثة ديانا بومريند – Diana Baumrind أن أساليب التربية الناجمة عن الأهل هي التي تحدد سلوك أبنائهم، مما يرشدنا إلى الطرق والأساليب التي تقودنا إلى توجيه هذا السلوك، حيث قالت:

“أساليب تربية الأهل تشكّل سلوك الأطفال وعلاقتهم بالمدرسة؛ فالأهل السلطويون يطالبون، والمتساهلون يتجنّبون، والديمقراطيون يتفاعلون.”

إذن، جَلِيّ لنا أن الأنماط تتعدد والسلوك يتنوّع، ومهمة المدرسة أن تجمع بين معرفة النمط وتوجيه السلوك. وهذا ما أكده نخبة من مديري المدارس في حلقة بحث حول سلوك الأهل، حيث ذكروا أنماطاً متعددة؛ منها ما هو داعم لتوجهات المدرسة، ومنها ما هو غير داعم ويحتاج إلى جهد وتوجيه، وهذه بحد ذاتها عمليات تربوية تمارسها المدرسة من أجل تحقيق أهدافها والوصول لمخرجاتها المرجوة.

من هذه الأنماط التي ذكرها المديرون:

أولاً: الأنماط غير الداعمة أو المتحدّية

1.الوالدية العارفة: أهل يمتلكون معرفة واسعة (أكاديمية أو مهنية)، ويُظهرون ثقة زائدة قد تتحول أحياناً إلى تحدٍّ لطواقم المدرسة.

2.الوالدية الطفلة: يتصرّف الأهل بطريقة انفعالية، يبالغون في ردود فعلهم، ويبحثون عن الاهتمام والاحتواء.

3.الأهل المخالفون للقانون: يتجاهلون قوانين المدرسة وإجراءاتها ولا يرون أنفسهم ملزمين بها.

4.الأهل غير العارفين وفي ضائقة: يعيشون ضغوطاً تمنعهم من الفهم الصحيح أو التواصل الهادئ.

5.الأهل المتذمرون: يركزون على السلبيات، يميلون إلى الشكوى المستمرة، وتكون توقعاتهم غير واقعية.

6.الأهل المشككون: يشككون في نوايا المدرسة وقراراتها، ويحتاجون إلى بناء ثقة طويلة المدى.

7.الأهل المتطفلون على تعليمات المدرسة: يتدخلون في تفاصيل العمل التربوي بشكل يفوق حدود دورهم.

8.الأهل المتخوفون: ينطلقون من خوف دائم على أبنائهم، ما يجعلهم حساسَين لأي معلومة أو حدث.

9.الأهل المتسلطون المستبدون: يريدون فرض آرائهم على المدرسة ويصرّون على السيطرة على القرارات.

10.الأهل أصحاب الطفولة الصعبة (المارقون عاطفياً): عاشوا تجارب مؤلمة، لم يتلقوا حباً كافياً، ولم يُعترف بمشاعرهم في طفولتهم.

يتماهَون مع أطفالهم، ويشعرون بألم الطفل كأنه ألمهم الشخصي.

11.الأهل المذعورون: يتعاملون مع كل حدث تربوي كأزمة خطيرة، ويضخمون المواقف.

12.الأهل المتدخلون: يتدخلون في كل صغيرة وكبيرة تخص سير التعليم.

13.الأهل الجاهلون (لا يعلمون أنهم لا يعلمون): يُصدرون أحكاماً أو قرارات دون فهم أو معرفة.

14.الأهل قليلو الحيلة: لا يمتلكون أدوات التفاعل، يخافون السؤال، ويشعرون بالضعف أمام المدرسة.

15.الأهل المختفون: لا يحضرون الاجتماعات، ولا يتابعون أبناءهم، وتتسم علاقتهم بالمدرسة بالغياب.

16.الأهل الملحّون: يكررون المطالب أو الملاحظات بإصرار مبالغ فيه.

17.أهل يتماهَون مع السلطة: يتجاوزون المدرسة ويتوجهون مباشرةً للمفتش أو البلدية سعياً للحصول على النفوذ.

18.المحبة الخانقة: يحبون أبناءهم إلى درجة المبالغة، فيحمونهم من كل إحباط أو فشل، فيعيقون نضجهم.

ثانياً: الأنماط الداعمة لتوجهات المدرسة

1.المتعاون: يبحث عن الحلول ويعمل بروح الفريق.

2.المحاور: ينصت ويتناقش دون صدام.

3.المتسائل: يسأل لفهم أفضل، وليس للاعتراض.

4.الداعم: يؤازر المدرسة ويثق بقراراتها.

5.المصغي: يحاول فهم وجهة النظر التربوية قبل إطلاق الأحكام.

6.المنفتح: يتقبل التغيير ويُظهر مرونة.

7.المبادر: يشارك في الأنشطة ويقدم اقتراحات بناءة.

في حوار مع الباحثة د. إيزابيل رمضان، معقّبةً على أنماط الأهل وطرق التعامل معها: أكدت د. رمضان أن تحركات الأهل ليست ضد المدرسة بالضرورة، بل قد تكون إشارة إلى ضائقة يعيشونها.

وتضيف أنه على القائد التربوي أن يسأل الأهل:

“ما الذي يساعدك لتشعر بشكل أفضل؟”

بهذا السؤال يتم الكشف عن الحاجة الأساسية للأهل، ومن ثم التعامل معها بطريقة مهنية وإنسانية.

وأضافت: لا شك أن الكثير من هذه الأنماط ناجم عن طفولة صعبة، حيث الإحساس بالإهانة، ولم يأخذوا حباً كافياً أو اعترافاً بمشاعرهم. هم يتماهون مع أطفالهم؛ فإذا تألموا تألموا ، وكأن الولد ضغط على زر ما في جهاز أعصابهم.

يجب أن نفهم مصدر هذه الأشياء: لماذا يقوم الإنسان بهذا التصرف؟

وعلى الطاقم التربوي التعامل مع الحدث من خلال مركبات:

الحدث، التحليل، المشاعر، ردة الفعل، الاستنتاج، والقرار.

ويجب على الأهل أن يعوا أن أطفالهم عليهم أن يعيشوا قليلاً من الإحباط والفشل حتى يتعلموا النجاح؛ لا يمكن أن يعيش الطفل أشياء مثالية كل الوقت.

علينا ان نتذكّر أمرين:

١. كلما كانت العلاقة بين الأهل وبين المدرسة إيجابية وخالية من التوترات كلما شعر الطالب بالارتياح والانتماء

٢. ⁠الأهل يأتون الى المدرسة ليس فقط بدورهم كأهل بل بكل تاريخهم الانساني والعاطفي

الخلاصة:

تعدّد أنماط الأهل حقيقة تربوية حتمية، وفهم هذه الأنماط هو بداية بناء علاقة شراكة ناجحة بين المدرسة والبيت.

فكل نمط يحمل خلفه قصة وتجربة ومشاعر، وعلى المديرين والطاقم التربوي أن يقرأوا هذه الأنماط بذكاء وتعاطف لإدارة العلاقة بطريقة مهنية.

عندما نفهم أنماط الأهل، نفهم لماذا يغضب هذا، ولماذا يخاف ذاك، ولماذا يختفي آخر.

وعندما تنجح المدرسة في ذلك، فإنها ترفع مستوى الثقة، وتحقق أهدافها التربوية، وتؤثر إيجاباً في سلوك الطلبة ونجاحهم.

وبذلك نستطيع أن نوجّه، ونبني جسور شراكة حقيقية بين البيت والمدرسة.. وحينها فقط… يصبح الطالب هو الرابح الأكبر.

من المهم التنويه أن موقعنا يلتزم بالبند 27 أ من قانون الملكية الفكرية (סעיף 27א לחוק זכויות היוצרים). ويبذل قصارى جهده لتحديد أصحاب الحقوق في المواد المختلفة المنشورة لديه. وفي حال كانت لديكم اية ملاحظات تتعلق بحقوق الملكية، فيرجى الاتصال بنا للتوقف عن استخدامها عبر الخاص في هذه الصفحة او على ايميل: almasar@gmail.com

زر الذهاب إلى الأعلى