د. مروان أبو غزالة: الأحبّة الفحماويّون الأربعة.. في ذمّة الله!

الأحبّة الأربعة: روّاد المساجد وديدنها:
العمّ الشيخ دعدوش أحمد أبو أحمد
والعمّ الشيخ علي محمّد أبو محمّد
والعمّ الأستاذ مصطفى إبراهيم أبو فادي
والعمّ الأستاذ عبد الله عارف أبو السّعيد
رحمهم الله رحمة لا تطاولها أرضٌ أرضا ولا سماءٌ سماء وأسبغ عليهم نعيما مقيما غير مجذوذ.
هم إكسير الحياة وكيمياء الروح في مدينتنا

بقلم: د. مروان أبو غزالة
السلام عليكم ورحمته وبركاته، والحمد لله، فهو فالق السموات والأرض وفاطرها وبديعها وله مقاليدها، وربّ كلِّ شيء وربّ العزة والعرش والسموات السبع، ذو المرّة، وذو الفضل، مالك المُلك والمَلكُ الحقّ، والصلاة والسلام على النّبي صلى الله عليه وسلم وهو أولى بالمؤمنين من أنفسهم، اللهم صلّ على سيدنا محمدّ، فهو نور العيْن ومَعْدَنُ اليَواقِيتِ المُلْتَمِعة وقمر الأقمار ونور الأنوار والجواهر المضيّة، صلاة من غطيط الأرض إلى أطيط السماء، صلاة تصل إلى عنان السماء وتترنّح فوق قمّة شمّاء، صلاةً تصل سدرة المنتهى حيث البيت المعمور، أمّا بعد،
في غضون أيّام قليلة فقدت وفقدت مدينة أم الفحم أربعة أحبّة من مدينة أم الفحم وهم روّاد المساجد وريحانتها ودوحها، أربعة هم الأصالة الفحماويّة والإرث الطيّب والذاكرة الجماعيّة والمرقاة النيّرة، ألفيناهم في المساجد في الصبوح والغبوق، أحببناهم في وسق الليل وغسق الظلام، وألفناهم في ناشئة الليل والأسحار، وتبشبشنا برؤيتهم في إدبار النجوم وزوال الشمس وسعدنا بهم في ضحوة الصبح وفي زوال الشمس، فباتوا في قلوبنا دوما لأنّهم نور الدرب وروح الدحنون في مساجدنا، فحضورهم كان يضفي علينا السكينة برمّتها والطمأنينة قاطبة والمفازة بأجمعها والهوْن بجمّاعه، هذا الإضفاء تبدّد بفقدانهم الأربعة الأعزاء.
منذ نهاية سنوات الثمانينيّات وهم ريحانة المساجد وألتقي بهم دوما، إمّا في الصلوات المفروضة وإما في تلاوة القرآن وإمّا في التهجّد وإما لقائي بهم والتسليم عليهم، فطوبى والسعد السعد لمن تعامل معهم وحظي بهم، فقدتهم وفقدت طقْسا وعادة ألفيتها وهي أنّني أدخل المسجد ولا ألقاهم جسدّا ولكن حضورهم الطيّب سيبقى عالقا في مخيلّتي لأنّهم قريبون عن بعد وبعيدون عن قرب، هم الأحبّة:
العمّ الشيخ دعدوش أبو أحمد، الأديب في أخلاقه والأريب في معاملته والحسيب في بشاشته والنسيب في رفعته، كان دوما يلهجّ بالدعاء في قيام الليل، وألفيت منه تلاوة القرآن وقيام الليل في مسجد عبد الله بن مسعود، وكنت نلتقي في فترة طويلة قبل الفجر، فعندما يتنفّس الصبح كنت أتنفسّ نشاطا غيرة بالعم دعدوش، يشارك في بيوت العزاء وقيّم في المسجد وقيّم في شدّ الرحال إلى المسجد الأقصى وإلى رحلات روّاد المسجد، كان دوحا من الإشراق وأيكة من النور، فيتأتّى النور من وجه بفعل جهده الجاهد في المسجد، وكان دوما يزمع على خدمة أهل المسجد والتيسير لاحتياجاتهم فهو الحبيب والمحبّ والمستحِب والمستحَب، وهو دوما القريب قلبا إلينا جميعا، العمّ دعدوش أحببته حبّا جمّا، فهو القريب إلى القلب والروح، كنت دوما أسارع بالتسليم عليه والسؤال عنه في كلّ مجلس وذلك لأنني استبشر خيرا عند ملقاه، فنلهج بالدعاء له: اللهم اجعله من الأعلوْن ولا تَتِره أعماله، واجعل له شربة من ماء غير آسن وانهار من عسل مصفّى، ونرجو من الله أن يمدّه بالعطاء غير الممنون وغير المجذوذ وغير المقطوع وأن تكون ممن يجعل لهم الرحمن وُدّا وممّا آتاه الله ثواب الدنيا وحسن ثواب الآخرة. واجعله ربنا فيما قلت بهم: ” فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ”.
العمّ الشيخ علي أبو محمّد وهو الراقي بهدوئه وحضوره، من سنوات الثمانينيّات بات علما ومعلما في مسجد عمر بن الخطاب- مسجد المحاجنة، دوما تمّيز بالمناقب العالية والخصال الحميدة، تميّز بالهدوء التامّ والبسمة الهادئة والملتقى الصامت، هذا الهدوء جعله مميّزا في المسجد، وعندما نجدّه في المغرب والعشاء عندما يعسعس الليل ويدمس، لكنّنا نشعر بسكينة متواترة وطمأنينة متواصلة بالملتقى بهم، فهذا الهدوء لا زال يلازمنا ونشعر أن حضوره في المسجد توليفة من مكارم الأخلاق، وهذه الأخلاق التي تميّز بها هي مأزر خير وديدن مكارم، وفي كلّ هيهة نلهج بالدعاء له: أن يُبَوِّأَه من الجنَّة غرفاً، ومن الفردوس نُزُلاً، ومن ربض الجنّة نصيباً، ومن عليين حظًّا، ومن دار القرار ذخيرةً، ومن دار المتقين ديْدنا، ومن مرضاة الله زُلفى، ومن عَفْوه قُربى، ومن شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم ازدلافا، وأن يكون ممّا قلت بهم: الَّذِينَ اسْتَجَابُواْ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِن بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُواْ مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ”.
العمّ الأستاذ مصطفى أبو فادي، الحصيف والأريب والراقي المثقّف، من سنوات الثمانينيّات وأنا ألتقي به في مسجد المحاجنة وأشعر بحبور دائم ومفازة متواصلة عند الملتقى به وكان يهمس بأذني: حيّاك الله وبيّاك وحماك يا مروان، وأردّ له الدعاء بعد وفاته حباك الله ورعاك وجعلك مزدلفا إلى النعيم المقيم، وفي منتصف سنوات التسعينيّات حظيّت أن أكون طالبا في الصّف العاشر وأتتلمذ منه في موضوع الجغرافيا فقد كان جريدة من المعرفة وخريدة من الثقافة، فقد كان تواليف من الأدب ومتواليات من الرقيّ وبوتقات من المناقب الندّيّة وعباءات من السّمات السّامية، وفي العقديْن الاخيريْن كنت أتلقي به ليس فقط في المسجد بل أيضا في الحارة بعد الفجر عندما ارتأى أن يمشي صباحا قبل أن ينبلج الضوء، وأيضًا ألفيناه في المسجد الأقصى مرابطا في المسجد الأقصى وتميّز العم مصطفى ليس فقط في الرقي السامي بل أيضا الأناقة التامّة، فقد كان دوما أنيقا وراقيا، ممّا جعلة أيقونة لنا ودثارا لمدينة أم الفحم وفنارا لأهلها، فحضوره في المدينة أضفى فخرا كبيرا في مدينتنا ودوحة من الإشراق وبوتقة من الأنوار. لذا ألهج بالدعاء له: أن يرحمه الله رحمة واسعة تزدلف إلى سدرة المنتهى، وأن يغفر له مغفرة واصبة ودائمة وأن يذكره الله في الملأ ويغفر له مغفرة لا يحدها أرضٌ أرضًا ولا سماءٌ سماء، وأن يزفّه إلى روضات الجنات زفًا، وأن يحشره مع وفد الرحمن وفدا، وأن يدلف الله عليه مرضاته إدلافًا، وأن يكون مما قال الله تعالى بهم: “الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقَانِتِينَ وَالْمُنفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالأَسْحَارِ”.
العمّ الأستاذ عبد الله العارف أبو السّعيد، الرقيّ الرائق والتعامل الفائق، من الرّعيل الأوّل في مدارسنا المربّي المثقّف والالمعي واللوذعي والحذق الذلق والفطن، هو مَعلم من معالم الذاكرة الفحماويّة، حظي به عشرات الألاف من الأجداد والأباء وأجداد الأباء أن يتلمذوا منه، فبات واحدًا من الإرث الثقافي في المدينة، تميّز بخلقه الرّفيع والرقي السامي والأناقة اللافتة والرّقي المنيف، هو الأستاذ عبد الله، لم أحظ أن أكون تلميذا له في المدارس ولكنّني كنت تلميذا له في مدرسة الحياة، فتعلمت منه الثقافة الواسعة والشغف للتعليم، كنت ألتقي به في مسجد أبي عبيدة ولا سيما في صلاة البرديْن، فنجده يتلو القرآن بتضرع وإلحاف، وكنت أسرع بل أتسابق للتسليم عليه، وذلك لأنّه يعطيني شحنة من الهمّة المتوثبة والغيرة المتوقدة على الطاعات، وعندما غيّبه المرض في الأشهر الأخيرة عن المسجد، كنت ألهجّ بالدعاء له عندما أمّر من بيته: الّهم خوّله النعم وكلأه برعايتك وبفيئك وأحاطتك، وسوف يلازمني هذا الدعاء له بإذن الله إذا أسفر الصباح وإذا تتدخدخ الليل وأن يكون زلفى من جنّت النعيم. وألهج بالدعاء له: اللهم آته حسن ثواب الآخرة واجعل رحمتك ديدنه وشفاعة النبي صلى الله عليه وسلم دثاره وجنّات النعيم مغنمه، واجعله ممّا قلت بهم: مّا قال بهم:” وَمَن يُرِدْ ثَوَابَ الآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْهَا وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ”
وأتوجه إلى الأهل الكرام، أهلالعمّ أبو أحمد وأهل العمّ أبو محمد وأهل العمّ أبو فادي وأهل العمّ أبو السعيد وأرتئي بصهوة اللغة وصهيلها وعصارة الكلم ونافلته وتوليفة التعزية وصهيرها أن يكون الصبر موضعكم والمفازة مسكنكم والخيرات مربطكم والمسرات مربضكم والبركات مطيتكم والتوكل على الله شراعكم والهوْن ذخيرتكم والروْح وجهتكم والهوْن مكسبكم والفلاح مربحكم والمنّ والسلوى مغنمكم والدعاء إلى الله زينتكم في هذا الُمصاب الجلل. في هذا الُمصاب، عوْد على بدء نتضرّع إلى الله ان يدلف الأحبّة الأربعة: العمّ الشيخ علي والعمّ الشيخ دعدوش والعم الأستاذ مصطفى والعمّ الأستاذ عبد الله المفازة ويزلف لهم روضات الجنات ويردف إليهم البركة ويمنّ عليهم بالرغد ويظلل عليهم الغمام ويسبغ عليهم العطاء ويؤيدهم بالفوز ويجزل عليهم المنن، وان يكونوا من النبي صلى الله عليه وسلم ومن الأنبياء زلفى منهم وقربى وجعلهم الله ممن أخبتوا إلى ربّهم، وممن يهديهم ربهم بإيمانهم، وممن سيجعل لهم الرحمن ودّا، أولئك هم خير البريّة ومما كانت لهم جنّات المأؤى نزلا بما كانوا يعملون وممن لهم أجر غير ممنون وممن لهم جنّات النعيم، وممن لا يضيع لهم أجرا، ممن قيل بهم لنبونّهم من الجنة غرفا ولندخلنّهم في الصالحين ولنكفرنّ عنهم سيئاتهم ولهم جنات تجري من تحتها الأنهار وممن لهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون. اللهم اجعلهم من دار السلام والقرار والمقامة وجنات النعيم والمأوى والفردوس والحسنى واليمين وطوبى وعليين وروضات الجنات وجنة عالية غرفا ونزلا ومنزلا ومقاما يا رب العالمين. وممن يهديهم ربهم بإيمانهم، وممن سيجعل لهم الرحمن ودّا، وممن لهم أجر غير ممنون وممن لهم جنّات النعيم، وممن لا يضيع لهم أجرا، ممن هم من خير البريّة ولهم جنات تجري من تحتها الأنهار وممن لهم أجرهم عند ربهم. وجعلهم الله ممن قيل بهم لنبوّنهم من الجنة غرفا وممن لنكفرنّ عنهم سيئاتهم وممن لندخلنّهم في الصالحين وممن لهم جزاء الضعف، ولهم جزاء الحسنى.
هم العمّ أبو أحمد والعمّ أبو محمد والعمّ أبو فادي والعمّ أبو السعيد أهلّ المحبّة ومنزل المودّة وموضع المعزّة.
مروان أبو غزالة
من المهم التنويه أن موقعنا يلتزم بالبند 27 أ من قانون الملكية الفكرية (סעיף 27א לחוק זכויות היוצרים). ويبذل قصارى جهده لتحديد أصحاب الحقوق في المواد المختلفة المنشورة لديه. وفي حال كانت لديكم اية ملاحظات تتعلق بحقوق الملكية، فيرجى الاتصال بنا للتوقف عن استخدامها عبر الخاص في هذه الصفحة او على ايميل: almasar@gmail.com



